Monday, March 10, 2014

المُسافِر

بدأ الظلام يُرخي سدوله آذناً للضياء أن يُلَملِم خيوطه مُنسحباً، تاركاً خلفه ظلاً طويلاً للمسافر الوحيد في الصحراء الجليدية الممتدة على مدى البصر و كأنها احتوت الوجود كله بصقيعها ....

تذكَّر المُسافر رحلته الطويلة و زاده القليل و استرجع ذكرى أول و آخر دفء حصل عليه منذ بدأ رحلته الباردة، و كيف أن هذا الدفء منحه طاقة داخلية استطاعت أن تمنحه وقت طويل قطع به المزيد من المساحات البيضاء المتجمدة ...

و الآن و قد نضبت كل ذرة دفء احتوتها خلايا المُسافر الوحيد و قد تثاقلت مشيته و انسحبت ألوان الحياة من بشرته ثم تهاوت قدماه ليسقط أرضاً ثم يتحامل ليُسند ظهره على كثيب ثلجي يُمعِن في إشعاره بالصقيع الذي يسحق عظامه، يستطيع أن يرى من خلال عينين ضبابيتين شبح يتحرك بخفة من بعيد مُقترباً منه في خطوات بطيئة واثقة ..

ابتسم في وهن و قد تجمدت شفتاه و هو يرمق النمر الجليدي الأبيض بخطوطه السوداء التي تسبح في بحر فراؤه الأبيض، و عيناه الزرقاوان النابضتان بالقوة يشعر أنه يغوص فيهما و كأنهما تأسران عينيه و تسحبانهما تلقائهما ليشعر بأنه يألف هذا النمر القوي الوحيد و كأنه شاركه جزء من كيانه وقت أن غاص بناظريه في أعماق عيني النمر الزرقاوين ..

اقترب النمر في تؤدة منه إلى أن لفحت أنفاسه الباردة وجه المسافر المتجمد و تلاقت الأعين، و كأن حديث عميق سريع قد تم بين العيون فقد تكور النمر على نفسه بجانب الرجل دافعاً برأسه و كتفيه بين ذراعي المسافر الذي ما أن استشعر دفء الفراء و قرقرة الأنفاس حتى تراخى ذراعاه على الفراء الكثيف و مالت رأسه لتتلقاها الجبهة العريضة و خفتت الأنفاس و تثاقلت الجفون و في آخر لمحة ضياء التمست طريقها إلى العينين الذابلتين رأى يد النمر تمتد إلى صدره و تضغط برفق على موضع قلبه و هُيء اليه أنه يسمع صوت ببري رخيم من بين شفتي النمر قائلاً:

الآن آن لك أن تستريح.

2 comments:

سلوى said...

أعتقد أن القارئ أيضا شعر بتلك الراحه وذاك الدفء حتى ان استمده المسافر من حيوان

أسلوبها جميل على فكرة

Omar El-Tahan said...

أشكرِك على المجاملة الرقيقة يا سلوى