Thursday, December 28, 2006

وسقطت أوراق الربيع

في هذا الزمان الصعب يصبح النبل عملة نادرة ووجود النبلاء يصبح أكثر ندرة … وتصبح الحياة بعد رحيلهم عناء يقاسيه من عايشهم و استشعر نبلهم … لذا بعد رحيل أي منهم لا يملأ مكانه في القلب إلا الفراغ ولوعة الفراق .. فللأسف النبلاء لا يستبدلون أو يتكررون , ومع تكرار رحيل هؤلاء النبلاء الفرسان يخلو وجه الأرض من أضواء وأخلاق كانت تزينه وتداري قبحه، فتظهر عيوبه فتظهر عيوبه التي كانت مستترة وراء فروسية أخلاقهم.

وفي مثل هذا الزمان الصعب تصبح حياة هؤلاء النبلاء الفرسان جحيما وعبئا تنوء به كواهلهم .. وثقل تعجز قلوبهم عن تحمله فتتوقف عن النبض يائسة.

من هؤلاء النبلاء كان خالي الراحل .. قاسى كثيرا من الحياة في زمن نادر الفروسية والنبل .. وظل عمره يدور في دوامة الحياة .. يصارعها وتصارعه وفي لحظة تأمل يائسة توقف القلب النبيل عن النبض ليعلن رحيل فارس.

وجاء الرحيل مع استسلام بكل الرضا للقضاء الآتي من لدن العدل المطلق، ولأن الفؤاد سمع نداء الملائكة ترحب به في مكانه وسط النبلاء .. وهكذا رحل راضيا ليلبي نداء ربه ليكون في المكان الذي يستحقه وأمثاله من الفرسان.

خالي العزيز:

لا تجتمع الملائكة والشياطين لذا كان رحيلك المبكر متوقعا.. بعيدا عن الأحزان التي كانت تطل من عينيك في لحظات الصمت .. وبعيدا عن كل من يتصورون خطأ أن الحياة سلسلة من الأخذ بلا عطاء بينما كانت حياتك عطاءً مستمرا.

أيها الغالي المسافر بغير وداع .. انتظرنا نحن من أحببناك و عشقنا صحبتك.

ويا زمن الأحزان الدفينة .. متى ترحل عنا مرارة أيامك؟ .. أو حتى نرحل نحن عنك ليستريح الجميع.

وتبقى كلمة..

إن في الدنيا أناسا تذكرهم لكي تنساهم فورا وأناسا تذكرهم ولا تنساهم فقد ولدوا ليعيشوا..أحياء..أو أموات.

تم النشر في الذكرى الحادية عشرة للوفاة.

Thursday, December 14, 2006

أدب الإختلاف


سأتكلم عن نقطة من أهم النقاط التي تكون في مجموعها ما يطلق عليه أدب الاختلاف هي نقطة احترام الذات !!

وقد يتعجب البعض من الكلمة ويظن أنني أخطأت وأنني كنت أقصد احترام الغير "بمعنى الطرف الآخر من النقاش" ولكن الحقيقة هنا أنني أقصد ما قلته حرفياً ...

فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما معناه" : لا يسب أحدكم أباه .. فقالوا وكيف يسب الرجل أباه يا رسول الله فقال يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه ويسب أمه فيسب أمه".

أعتذر إن كان هناك اختلاف عن النص الأصلي ولكني ذكرت "ما معناه" لهذا السبب.

المهم ... المقصود من ذكري لهذا الحديث هو التذكير بأن احترام الإنسان لنفسه هو من احترامه لمن يواجهه.... وعليه فإن عفة اللسان والترفع عن الصغائر وعدم تصيد الأخطاء للغير هو من أسس وقواعد احترام الإنسان لنفسه.. لأنه بهذا يملك قوة كبح جماح نفسه وغضبه .. والإحسان لمن يستطيع الإساءة إليه ... وهذه هي منتهى القوة.

لذا فالقاعدة العامة هي أن الاختلاف في حد ذاته رحمة ونعمة... ولكننا بكفاءة تامة نحوله إلى نقمة .

هل تعلمون أن في الغرب يعتبرون أن هناك مساحة شخصية للفرد لا يصح أن يتعداها من يتحدث معه ..؟؟ وهذه المساحة هي بامتداد الذراع.

وهذا معناه أن اياً منا يجب ان تكون له مساحته الخاصة التي يتحرك بداخلها على حريته ولا يصح أن يتجاوزها او يتعدى عليها أحد. وهذه المساحة سواء فيزيائية كالتي تكلمت عنها أو معنوية كحرية الرأي فهي شيء يجب احترامه وتقديره وعدم التعدي عليه.

كلنا يعتقد أن رأيه صواب ورأي غيره خطأ .. وينسى أن الأئمة كانوا يقولونها بأسلوب يرقى كثيراً بالمعنى "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"

وهنا الباب مفتوح أو موارب ... لأنهم لا ينكرون النقاش حول أي مسألة .. لأن الغرض دائماً هو إثبات الصحيح ودعمه وليس إظهار صحة وجهة النظر ودحض المنافس.. والإمام مالك قال ما معناه "لو جاءكم كلام بدليل من كتاب الله وسنة رسوله يخالف رأيي فاضربوا بكلامي عرض الحائط"

وهؤلاء هم أئمة الإسلام ..

و الإمام أبو حنيفة عندما جاءه من ينكرون على علي بن أبي طالب قبول التحكيم بينه وبين معاوية قال لهم أنه يؤيد ما فعله سيدنا علي وقال لهم أنا اختلف معكم وانتم تختلفون معي ... فما الحل بيني وبينكم في هذه النقطة .. فأجابوه .. نقبل بحكم بيننا وبينك .. فقال لهم : إذن لم تقبلون التحكيم على أنفسكم وتنكرونه على الإمام علي؟"

والإمام الشافعي غير من فقهه وفتاويه عندما حضر إلى مصر ... ولم يستكبر ... وإنما بتواضع العالم عرف ان ما يناسب أهل العراق لا يناسب أهل مصر "ولم يخالف شريعة ولا سنة سواء هنا أو هناك"

هؤلاء هم الأئمة ... ألا ترون أننا يجب أن نهتدي بهم وبما فعلوه ؟؟؟

أتعلمون أن الإمام الشافعي صلى على قبر الإمام أبو حنيفة عندما زار القبر بطريقة أبي حنيفة وليس بطريقته ؟؟ وذلك احتراماً وإجلالاً لقدر ومقام أبا حنيفة.

ومن هذا يمكننا أن نتعلم أن احترامي لرأي من أمامي وتقديري له سيكون له مردود ايجابي علي أنا شخصياً ..

وليس منا من يستطيع الحكم بأن رأيه هو الصحيح على إطلاقه .. وإنما يستطيع أن يبرهن على صحة وجهة نظره.

وأنا من متابعتي واشتراكي في العديد من مواضيع الاختلاف الدائم والنقاش المحتد أرى أن مشكلتنا هي تشخيص المشكلة.. بمعنى تحويلها من مشكلة علمية إلى مشكلة شخصية .. وبدلاً من الحفاظ على أسلوب علمي راق في الكلام وحتى مع الاختلاف لا ادع الفرصة لنفسي بأن أسفه أو اقلل من شأن من يواجهني ... لأنني بهذا أتيح الفرصة الذهبية له كي يفعل المثل معي .. وعندها لن أشعر بأنني أخطأت في البداية ... بل سأتعجب واستغرب من الذي يواجهني .. وسأرى فقط أنه يهاجمني ولن انظر لنفسي لأرى أنني من بدأ الكلام.

ولكن الحقيقي والأكيد أننا كشرقيين وعرب "وبالمناسبة مصر عربية شرقية وأنا مصري عربي مسلم معتز بلغتي العربية وبإسلامي وبشرقيتي " أقول أننا عاطفيين ونحكم على الأمور بتسرع وعدم روية ... وأقول بكل ثقة أننا لا تزال تحكمنا القبلية والتعصب. وما يحدث في كل حلقات ومنتديات النقاش العربية .. حتى على القنوات الفضائية لهو خير دليل على هذا... وعيبنا أننا نداري على عيوبنا بدلاً من مواجهتها... وبدلاً من أن يواجه كل منا نفسه ويسمح للآخرين بمواجهته "بالذوق والأدب " أقول بدلاً من أن نسمح بهذا بل ونرحب به نجد أن كلاً منا يهاجم كل من يحاول توضيح عيب أو وجه خطأ فينا ونهجم على من كلمنا ... لتتحول المسألة إلى معركة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالهدف الأصلي للكلام.

رجاء خاص من الجميع أن يحاول كل منا أن ينظر للأمور من زاوية أوسع قليلاً.

هناك من يملك علم غزير ويجتهد للحصول على المزيد .. ويبذل مجهود حقيقي لتطوير نفسه .. ولكن ما أن يلوح في الأفق شبهة اختلاف معه أو رأي مغاير حتى يتبدل الحال ويتحول الكلام إلى ما لا يصح من مثله أن يقوله.. والحق أن العالم هو أجدر الناس بالتواضع و إنكار الذات والموضوعية في المناقشة واستيعاب من يواجهه وليس العكس.

أسهل شيء في الدنيا هو أن تجرح .. ولكن ما أصعب مداواة الجرح ... وأبسط شيء أن أسفه رأي من أمامي .. وأن أحب الإحساس المزيف بالانتصار الذي يعطينه علو صوتي أو التفوه بألفاظ تجبر من يواجهني على السكوت حتى لا يتردى في هاوية الكلام الجارح.... ولكن هل هذا هو الانتصار ؟؟؟ ألاحظ من متابعتي الدائمة لكل المناقشات والخلافات أن سواء طارح الموضوع أو المشاركين في النقاش يدخلون حلبة النقاش بفكرة مسبقة وتحيز واضح ... وهناك من يذكر في أول كلماته أنه هنا ليثبت فشل أو كذب الرأي الفلاني وهذا يعطي انطباع لمن يريد النقاش الهادئ والعقلاني بأن لا فائدة من النقاش وأن الانسحاب أكرم.


ألم يأن لنا كعرب أن نتعدى سن الرشد ونتعرف سوياً على حقوقنا وواجباتنا تجاه الآخرين؟؟؟

معروف أن صغار السن تكون ال "أنا" عندهم عالية جداً والأنانية تكون عنوان تعاملهم مع العالم الخارجي ... ولكن مع النضج العقلي والسني نجد أن الإحساس بالعالم الخارجي يعلو عن الأنا ويبدأ الفرد يفكر بمن يحيطونه ويبدأ في وضع أولويات ومقاييس في التعامل ..

تحياتي واحترامي للجميع وأرجو من قلبي أن تكون كلماتي لها تأثير ايجابي ومردود مناسب .

والله من وراء القصد.

Wednesday, December 6, 2006

إبداع

خلقت كأبدع ما يكون الخلق .. أبدعتها ريشة فنان عبقري "جل شأنه".. لم أستطع في نظرتي إليها أن أنظرها بنظرة رجل لأنثى جميلة بل كانت نظرة عابد مؤمن لآية من آيات خلق الله ..

لم أنظر إليها كمجرد بشري .. بل سموت بروحي وأحاسيسي لأتمثل فيها قدرة الخالق، فهي بالنسبة لي إبداع فنان عبقري رسم بريشة الأبدية لوحة الخلود .. تضمنت الكون كله ثم بلمسة حانية رفيقة مس بريشته قلب هذه اللوحة فكانت هي ..

عيناها كبحر هائج متلاطم الأمواج لا يعرف الاستقرار إليه سبيلا .. بحر واسع عميق أغرق بين أمواج ثوراته .. أذوب كلما نظرت إليه .. له قدرة على إذابتي في سحره دون مقاومة مني ، ومن يرغب في مقاومة سبب خفقان قلبه وسمو مشاعره وإحساسه بالسعادة ؟!

شعرها هو الليل بكل غموضه وسحره .. بكل شجنه و أحلامه .. بكل ما يحمله من مشاعر الخوف والرهبة من المستقبل الذي قد لا يجمعني بها.. الأمل في اندلاع فجر الحب الذي يضمنا معاً في مكان واحد للأبد ..

الرغبة في ذوباني وإياها في الكون لنكون معاً للأبد .. ونُمنح الخلود الذي تعجز أجسادنا البشرية عن منحنا إياه .. تطايره يذكرني بنسمات الليل الهفهافة التي تداعب الوجه في حنان .. انسداله على جانب وجهها يشّبهني بالقمر عندما تحجب سحابة جزء منه لا يخفي ضياؤه ولكن يزيده جمالاً وسحراً وغموضاً ..

شفتاها كالثمرة اليانعة التي تنتظر قطافها ، يتمنى المرء لو يمسها بفمه لينهل من رحيقها العذب ، عنقها المرمري لا تدانيها في جماله فينوس ، أناملها الرقيقة يتمنى المرء لو احتواها بين راحتيه وقبّلها ليشعر بملمسها على شفتيه .. خفقان قلبي عند رؤيتها أبلغ من أي كلام أحاول أن أنطقه بشفتاي ، فمهما قلت فلن أستطيع الإلمام بجوانب الكمال فيها .

وقلبي له حديث آخر - سري – مع قلبها ، لذا لن يسمعه سواها لكن كيف؟؟

الزمن وحده قادر على إجابة سؤالي الحائر……

- سلوا كئوس الطلا هلاّ مست فاها واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها

هيفاء كالبان يلتف النسيم بها وينثني تحت الوشي عطفاها

"أحمد شوقي"

أميرة قلبي

أتسائل كيف وقعت بحبك؟ولماذا؟! حقيقة لست أدري سر ضعفي هذا

أنا من تعلم بمدرسة الغرام حتى صرت فيها أستاذا

فإذا بي راسب بجدارةٍ عندما رأيت إشراقك الأخاذا

لا أذكر كم من غرامٍ هادرٍ لم يقدر يوماً إليّ نفاذا

كل من سبقنكِ سقينني قطرات حب ناعمٍ ورذاذا

إلا هواكِ كان بحراً جارفاً أبحرت فيه بغير شراعا

فأنا الغريق .. أنا القتيل أنا الذي بجزيرة الأشواق حن ولاذا

من خمر عينيك شربت الحب حتى ثملت بغير كاسا

فإلى متى تظلين الأميرة وأظل أستجدي الهوى شحاذا

وكأني ببابك طفلاً واقفاً تجدين بذلِ عينيه استلذاذا

أرجوكِ تكلمي .. ألا تم لكين غير "لا" و"لماذا"؟؟

جودي عليّ بواحةٍ من قلبك أجد فيها أمناً وملاذا

ولك الأمان ..لك الحنان إن أردت بعرش قلبي استحواذا

أراك استصغرت أمري وقلتِ إني لأهوى الرجال أقوياءً أفذاذا

عنيدةٌ أنا وصلبةٌ معا.. من ذا يرضى بعنادي؟ من هذا؟؟

أجيبك..لا تقلقي وابقي معي إني أهوى المرأة الفولاذا

"عن جزيرة الأشواق لياسر قطامش"

الألحان الملائكية

تسلل ضوء الفجر الواهن من النافذة ليزيل جزءاً من ظلام الحجرة ... اتخذ طريقه بهدوء إليها ... أخذ يتحسس الجسد النائم وينتشر حوله, تتقلب في الفراش .. تتململ .. تفتح عينيها .. تبتسم للنور الذي أخذ يضيء حجرتها كما أضاء هو حياتها . حلقت بأجنحة خيالها عبر النافذة التي يتخللها الضوء البسيط .. تطير .. تحلق بأفكارها عبر الآفاق الرحبة للسماء .. تتذكر لقاؤهما الأول ....

كانت تجلس في شرفتها ليلاً .. تناجي القمر شاكية له قصة حبها الفاشل .. تبكي .. تتنهد ... يحنو عليها القمر مواسياً .. يهمس للنسيم .. فيأتي إليها حاملاً صوت خافت لألحان لا تكاد تُسمع .. تسترق السمع .. تقوى الألحان تدريجياً .. تتخللها .. تشعر بها تنتشر في جنبات عقلها .. تسمو بروحها .. كأنها ألحان ملائكية .. من فرط عذوبتها ورقتها لا تكاد تسمعها .. وإنما تشعر بها في روحها مباشرة .. مع انسياب هذه الموسيقى حولها , يبدأ البركان الثائر بداخلها في الخمود .. يرتخي جسدها المشدود .. تلين أعصابها .... تستند برأسها على المقعد .. تنصت .. وتحلق مع هذه الألحان في عالم آخر ثم تعود لتستقر ثانية في جسدها المكدود.

فجأة تصمت الموسيقى .. يُخيل إليها أنها تسمع صوت آهة متألمة ونحيب صامت محزن .. لدهشتها تُدرك أن مصدر هذا النحيب المحزن هو نفسه مصدر تلك الموسيقى الرائعة الحالمة .. تتسائل : كيف يجتمع هذا البكاء المر مع تلك الألحان ملائكية الرائعة؟؟ .. مع التركيز تدرك أن الصوت لرجل .. يسود الصمت ... تسمع صوت ارتطام كرسي بالأرض ثم سكون تام ... تنتظر ... بعد فترة تجد لا جدوى من الانتظار تدخل غرفتها لتنام .

في نفس الميعاد من اليوم التالي تخرج للشرفة ... تجلس لتستمع للموسيقى الملائكية وهي تتهادى حولها .. الألحان اليوم مختلفة .. تبدو وكأنها أكثر عذوبة من التي استمعت إليها بالأمس .. تصيخ السمع لتحدد مصدر الصوت بدقة .. تكتشف أن الصوت قادم من شقة مظلمة بالكامل في المبنى الذي يليها مباشرة .. !! ولكن كيف؟؟ واضح من الموسيقى أنها صادرة من بيانو ..فكيف يستطيع هذا العازف أن يعزف بهذه المهارة في هذا الظلام ..؟؟

ينتزعها من تساؤلاتها تغير الموسيقى بعد فترة صمت قصيرة .. الموسيقى الجديدة لها وقع آخر .. إنها ... لا توصف ... إنها .. مهلاً ..إنها سيمفونية بيتهوفن التاسعة .. تلك السيمفونية الشهيرة "القدر" .. إنها صعبة جداً و لكن العازف المجهول يعزفها ببراعة .. يؤديها باقتدار .. الموسيقى تتحول لأحاسيس تغمرها .. تكاد تتحول لكلمات .. ولكن .... كيف .. كيف في هذا الظلام؟؟؟. ترمي دهشتها وراء ظهرها وتترك نفسها لتحلق مع هذه الموسيقى الخلابة ...

بعد عدة أيام من الاستماع الليلي قررت شيئاً هاماً .. لم يكف خجلها لردعها عنه .. قررت الذهاب لبيت العازف بنفسها .. لتريح قلبها من التساؤلات .. طرقت الباب .. تناهى لسمعها صوت هادئ .. عميق ..يطالب الطارق بالانتظار .. فُتح الباب .. أطل منه صاحب الصوت وصاحب الألحان ... أحست أن نظرته غريبة نوعاً .. لم تعر هذا الأمر اهتماماً .. سألته السماح لها بالدخول بعد تعريف نفسها .. قادها لحجرة الضيافة .. لاحظت أن مشيته غريبة وإن كانت واثقة ..لم تلتفت لهذا ... بعد جلوسها سألها بتهذيب عن سبب الزيارة ... أجابته بصوت هامس : أحببت أن أتعرف على صاحب تلك الألحان الرائعة .. بدت السعادة على وجهه و سألها : ولكن كيف سمعتني؟؟ أجابته: كنت أستمع إليك ليلاً لفترة طويلة ولم أستطع منع نفسي من القدوم إليك. ولكني أريد أن أسألك : كيف تعزف بهذه المهارة بدون ضوء؟؟

أجابها والمرارة تبدو على ملامحه: لا أحتاجه..!!. لم تفهم ..ولم يمهلها لتفهم, بل اتجه إلى البيانو .. ارتطم بكرسي البيانو في طريقه .. لاحت لها في هذه اللحظة الحقيقة التي ما كانت تتوقعها ... يا لغبائي .. كيف لم أفهم ..؟؟ العزف بدون ضوء .. النظرة الغريبة لعينيه .. المشية الغير طبيعية .. يا إلهي ..!! , ثم صاحت بفزع : أأنت ....؟؟ فقال بمرارة : نعم. .. أعمى .. سألته : ولكن كيف ...؟؟ إن عزفك مُبهر... فقال لها : لقد كنت معيد بمعهد الكونسرفتوار , وتعرضت لحادث فقدت بصري على إثره . اقتربت منه وربتت على كتفه عندما لاحظت أن الدموع تسيل من عينيه في صمت .. قالت له : الأمل دائماً موجود .. وأنت مؤمن بالله , لا تفقد حسن ظنك به.

تكررت لقاءاتهما .. يتحادثان .. يتمازحان .. ثم يقوم هو يعزف لها على البيانو وهي تشجعه, بعد إلحاح أقنعته بالتقدم لمسابقة للالتحاق بدار الأوبرا كعازف محترف .. تردد .. أخذته من يده وقالت له .. سأكون بجانبك دائماً .. تخيل أنك تعزف لي وحدي كما تفعل دائماً .. ذهبا .. حان دوره في الاختبار ..همست في أذنه وهو يتقدم من البيانو : أنا معك .. تقدم ..عزف ..أبدع كما لم يبدع من قبل .. ونجح في الاختبار .. وتم تعيينه بالفعل .. بدأ المشوار في الأوركسترا كعازف عادي .. مع الوقت ظهرت موهبته واضحة ..

عرض عليه المسئولون أن يُقدم حفلات منفردة .. كاد يطير من السعادة .. بدء يشتهر .. كان مظهره بالبدلة السوداء الأنيقة و المنظار الأسود على عينيه ومشيته الواثقة في طريقه للبيانو كاف لتلتهب الأكف بالتصفيق قبل حتى أن يبدأ العزف.

كانت دائماً بجانبه .. ترافقه في كل حفلاته , وتهمس له في كل مرة : أنا معك .. وكان هذا كافياً ليفجر لديه كل طاقاته وإبداعه .. وخلال انهماكه في عمله الذي أحبه وأخرج فيه كل إمكانياته كانت هي تحاول البحث عن أمل في أن يعود إليه بصره .. وتحقق الأمل عندما قرأت في جريدة عن وصول طبيب عالمي متخصص في الجراحات الدقيقة للعيون إلى مصــر .. اتصلت به .. اتفقت معه على موعد للقاء يبدو عفوياً لفرط حساسيته وإمكانية غضبه ورفضه للموضوع لو اقترحت عليه مباشرة ..ولحسن الحظ كان الرجل هاوياً للموسيقى فاقترح أن يبدو اللقاء عفوياً من خلال حضوره كمستمع لحفلة من حفلاته ..

بعد الحفل ذهب إليه الطبيب ..وأدار معه الحوار ببراعة إلى أن وصل للنقطة التي يريدها .. وتحدث معه واستفاض بهما الكلام حول مشكلته .. اقترح الطبيب أن يأتي إليه في المستشفى كي يفحصه بدقة ويحدد مدى إمكانية نجاح العلاج .. وافق .. ورافقته هي إلى المستشفى .. وبعد الكشف والأشعة والتحاليل المختلفة ,أخبرهما الطبيب بأن نسبة نجاح عملية جراحية لإعادة البصر إليه مرتفع جداً ومُبشرة .. ولكن ...!!! كان الشرط أن يتم إجراؤها في الخارج لتوافر الإمكانيات المناسبة والرعاية المطلوبة في فترة ما بعد العملية .. تردد .. شجعته وقالت له أنها ستعتني بالشقة في غيابه .. وأنها ..... ستنتظره.

التفت إليها وسألها .. أتعنين هذا حقاً؟؟ .. أجابته والخجل باد على ملامحها وصوتها : بالطبع أعنيه .. ألم تدرك للآن؟؟ قال لها وهو يكاد يحلق من السعادة : خفت أن أكون عشت في وهم خلقته لنفسي .. أنا أُحبك .. وكل ذرة في كياني تنبض بحبك .. ولكني خشيت الإفصاح عن حبي حتى لا أُصدم .. وما كنت أتحمل فكرة فقدك.. فهمست في أذنه قائلة : وأنا أيضاً أُحبك .. ولأجل حبي هذا أرجوك أن تذهب لإجراء العملية .. أجابها : سأفعلها من أجلك .. كي أراك.. لم تشعر بنفسها إلا وهي بين ذراعيه تبكي .. جفف دموعها قائلاً : سأعود .. من أجلك.

أفاقت من ذكرياتها على صوت جرس الباب .. أسرعت تفتحه .. فهي تعلم أنه هو .. نظرت إليه .. أحاط وجهها بكفيه قائلاً .. يا إلهي .. ما أجملك .. طفرت عيناها بالدموع وهي تقول له : حمداً لله على سلامتك .. تقدم إليها .. ضمها إليه برفق وهو يمسح دموعها قائلاً : ها قد عدت يا حبيبتي ..بصيراً .. لا تمنعني عنك سحب الظلام .. ولن يفرقنا شيء , فلن أستطيع البعد عنك ثانية .. لقد كدت أُجن وأنا بعيد عنك .. لقد أصبح وجودك في حياتي أهم من حياتي نفسها .. قالت له : و أنا كنت أحسب الثوان في انتظار رجوعك وكلما مرت ثانية شعرت بأنها تقرب من موعد عودتك .. سألها : أجيبيني بصراحة .. أتتزوجينني؟؟ فضمته إليها أكثر قائلة بهمس : أتسألني؟؟.

البداية..

بقلم: عمر الطحان

فن التنكر

لا أقصد به فن تغيير معالم الوجه ..لا بل أقصد به فن تثبيت معالم الوجه في مواجهة الانفعالات المختلفة .. بمعنى ارتداء قناع سميك بارد .. دعنا من بارد هذه ولنقول حيادي الملاح ، وعندما أريد ارتداء هذا القناع لا أقصد به إلا مواجهة الانفعالات المختلفة والصدمات بوجه ثابت لا تتغير ملامحه مهما كانت ردود الأفعال بداخلي .

فأكثر ما يضايقني هو أن أشعر أن مشاعري مكشوفة أمام من يواجهني وأجده قادراً على اكتشاف خبيئة نفسي و حقيقة انفعالاتي مما يظهر على وجهي من رد فعل تلقائي لدي سماعي لأي خبر أياً كان نوعه لذا أريد أن أكون دائماً بوجه خالي من الانفعالات .. لا يشف أبداً عما يعتمل بداخلي .. أن أكون ذا قناع حي يخفي أسراري .. لا يشي بي .. يمنع مشاعري من الظهور على وجهي ، لذا تعجبني فكرة الرجل ذو القناع الحديدي ، لا أن يظل وجهي - مثله – مختف خلف قناع حديدي طيلة حياتي فلا أُعرف ولكني أقصد به قناع حديدي حي .. أي هو وجهي ولكنه لا يتحرك أمام أي انفعالات داخلية .. قناع لا تستطيع النظرات الموجهة إليه اختراقه وسبر غوره وكشف خبيئته ، أتسائل لماذا ؟! لا أجد جواب .

لكن ماذا قلت في البداية؟؟ "تغيير معالم الوجه" .. آه إنه خاطر جدير بالتفكير فيه ، ومن يدري ، ربما.

مصر.. بين التاريخ و المستقبل

عندما تتزاحم حولي الأحداث .. عندما تلتف حولي الهموم والأحزان .. عندما أضيق بحاضري .. عندها .. أنفرد .. أرحل إلى الماضي .. اغترب عن الحاضر .. أسعى إلى أحداث مولية .. لم أعشها،و ا نما أراها بعين الخيال. أسعى إلى زمن خاص يرتاح فيه فكري من خضم الحياة الحديثة .. أصفو بروحي .. أحس بالطبيعة البكر .. البريئة من ويلات الزمن الحالي .. وحتى يكتمل ذلك أحتاج لشيئين : صوت الموسيقى ، مكان يطل على البحر أو النهر الخالد.

تساعدني هذه الأشياء على الانفراد .. الصفاء .. الهدوء. تتيح لي الموسيقى فرصة الاستمرار اللانهائي في التركيز الذهني، والبحر بكل غموضه والفراغ حوله والامتداد الأفقي المترامي لسطحه يتيح لي فرصة ملئ هذا الفراغ الذي ينطبع في ذهني بالتاريخ .. بالماضي .. أصغي إلى ضجيج الحياة اليومية قادمة من بعد سحيق .. من زمن مخالف .. أصداء الحياة المعاصرة عندئذ تمر كالوهم في ذهني .. اعتصم بنفسي بعض الوقت.. أرى بعين الخيال أمجاد هذا الشعب في الأزمنة الغابرة .. أجد نفسي مشاركا في صنع هذا المجد .. أرى نفسي في جيوش الانتصار..في جيوش : أحمس وصلاح الدين و قطز .. في صفوف النضال الشعبي ضد قوى الاستعمار في ثورات القاهرة ضد نابليون ، في المقاومة الشعبية ببور سعيد وقت العدوان الثلاثي .. متعلما الدرس القاسي في حرب الأيام الستة أو فلنقل( حرب الدقائق الستة) .. وذائقا شهد الانتصار الأكبر لاتحاد قوى و تيارات الشعب تحت راية الإيمان في أكتوبر 73.

أبتسم .. أرضى عن ذاتي ، أرجع للحاضر للواقع .. انفض عن نفسي غبار الماضي .. وعراقته،أنهض من مكاني مخلفا ورائي أزمنة ودهور بل و قرون كاملة مرت ببلدي شهدت لها بالعزة و المجد.. وأعود لأخوض في خضم الحياة .. أغوص في نهر المشاكل اليومية ، أشاهد وأحس بنفسي غربتي بين أبناء وطني ، وغربتهم أنفسهم في وطنهم .. غربة الوطن بأكمله في هذا الزمن .. بلادي حائرة..تائهة.. لا تعرف نفسها في وضعها الحالي .. تتعثر خطواتها في هذا الزمن الغريب عليها.. مصر أيضا تتذكر الماضي و مجدها فيه.. تحاول السعي لاحياء هذا الماضي .. تلاطمها جنبات نهر الحياة .. تعود للخوض فيه من جديد شاعرة بذات الغربة.. أما أنا فما أن يدق جرس الخطر في رأسي .. عندما تتزاحم حولي الأحداث .. عندما تلتف حولي الهموم والأحزان .. عندما أضيق بحاضري .. عندها أعود لأقصد المكان .. شاطئ البحر أو ضفة النهر الخالد مع صوت الموسيقى والزمن الماضي ،أحيي ما مات من زمن ولى وفات .. أرجع إلي العهود البائدة .. أحس بالألفة في المكان .. والزمان أحس أن الوطن يألف ما هو فيه.. ويفخر به.. أعود إلي الواقع من جديد واثقا أن مصر لن ترجع لسابق عهدها ومجدها وعزتها إلا بشيء واحد.. هذا الشيء.. الحل .. الحلم .. هو البناء من جديد من الداخل .. التطهير الكامل من معوقات الانطلاق وبناء الأساس السليم للعودة للمكانة الطبيعية .. هذا التطهير وهذا البناء يعني حتمية حدوث شئ واحد .. هو الخلاص منهم .. من طيور الظلام.

Sunday, November 12, 2006

كرم الضيافة ..... تجربة فريدة

هذه التجربة أستطيع أن أقول عنها وبكل ثقة أنها تجربة فريدة في حياتي ... لم أمر على مثلها من قبل .. ولا أتمنى أن أمر عليها بعد ذلك.

صحيح هي تجربة بسيطة .. ولكنها تعطي مؤشرات لو صحت لأصبحت خطيرة .... ولو لم تصح لكانت جديرة بالتندر حولها .

هذه التجربة مع كرم الضيافة لن أستطيع أن احكي كل التفاصيل فيها ولكني سأكتفي بسرد الموقف و انطباعاتي حول الموضوع.

قادتني الظروف للذهاب لأحد الأشخاص الذين تعرفت عليه عن طريق منتدى عربي شهير وضخم وبه أقسام في كل المجالات تقريباً .... المهم أنني ذهبت إليه لتبادل بعض الاهتمامات المشتركة.

دخلت غرفته الخاصة لأجد مكتبة محترمة بها كتب تنتمي لمختلف التخصصات والاتجاهات مما جعلني استبشر خيراً ..... وجدت سجادة صلاة بجانب السرير على الكمود .... وكان هذا ثاني تأثير إيجابي.

بدأنا في الحديث وتبادل ما جئت من أجله إليه ... ومر الوقت ولم أجد أمامي حتى كوب ماء مع أني قادم من أقصى غرب العاصمة وهو في شرقها ... وبعد حوالي نصف ساعة أحسست بالعطش .. طلبت منه ماء لأشرب ... أحضر لي زجاجة وكوب ... ملأ الكوب وشربت وسألني هل أريد المزيد ؟ فشكرته واكتفيت ... فأخذ الزجاجة والكوب وخرج ... عاد ثانية واستكملنا ... بعد حدود ساعة أخرى بدأت في التثاؤب والململة والتمطي .... بدأت أقف وأحرك ساقي حتى لا أشعر بالنعاس ... لم أجد أي استجابة منه ... سألته هل هناك مقهى بالقرب من البيت ؟؟ فأجاب ببساطة : بلى .. بجانب البيت مباشرة.

قلت له أنني سأنزل اليها لأحتسي كوب من القهوة حتى أفيق ... رد ببساطة أيضاً : لا مشكلة ... تفضل !!!!

وبعد رجوعي بفترة أردت أن أشرب مرة أخرى ... سألته هل اثاقل عليك لو طلبت ماء مرة أخرى ؟؟

أجابني: لا ... مطلقاً , وأحضر لي كوب ماء هذه المرة وربع الكوب خالي.

أنا لا أريد أن أسخر أو أكون كعواجيز الفرح الذين لا يعجبهم شيء ويظلون ينتقدون كل شيء و أي شيء أمامهم .. ولكن هذه التجربة فريدة من نوعها بالنسبة لي, ولا أعرف صراحة هل هي مقدمة لسلوك سيبدأ في الانتشار بمجتمعنا ؟؟؟ أم هي حالة فردية لا تصلح للتعميم؟

قلقي وسبب تفكيري هذا هو أن المجتمع أخلاقياته تنحدر وتتدهور تدريجياً ... والمشكلة أن تصرف كهذا حتى لو ابتعدنا عن التفكير فيه من الجانب الديني لوجدنا أنه تصرف مخالف حتى للتقاليد والأعراف المصرية التي توجب إكرام الضيف.

لا أدري حتى إن كان هذا الأمر يستحق المناقشة أم أنه أبسط من ذلك ... فقط هو اهتمامي وهمي بهذا البلد ... و رغبتي في ألا أجد كل شيء جميل في هذا البلد ينسحب ليأتي مكانه بديل أقبح.

في الحقيقة أردت أن تكون مدونتي تعبير من نوع آخر عن حب مصر ... لم أرد أن تكون ذات صبغة سياسية فالمدونات السياسية كثيرة وفعالة ... ولكني أردت أن أنبش في بعض العادات والأخلاقيات التي قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية ... المهم أنها تمس هذا البلد وتساهم في تشكيل كيان و اخلاق أبناؤه بشكل أو بآخر .... وتكون في النهاية حدوتة مصرية .