Monday, January 19, 2015

صفحات من يومياتي "الراحمون يرحمهم الرحمن"


دوماً أراه بالقرب من المنزل، له شارب عريض و ملابس تشف عن رقة الحال، دوماً يحمل في يديه شيئاً يذهب به إلى مكان إلقاء القمامة ليضعه هناك أو عائداً يبحث عن المزيد من لقمة العيش.

نعم، لم أره من قبل يعمل إلا هذا العمل البسيط، يذهب للمنازل و المحلات ليأخذ القمامة منهم و يلقيها في مكان تجميع القمامة بالمنطقة، و لا أراه ثانية إلا و هو في المسجد يصلي معنا الفروض أو يتوضأ ليلحق بجماعة لاحقة إن فاتته الأولى.
هذا الرجل البسيط الحال، باسم الوجه، الاجتماعي الذي يبادرك بالسلام إن لم تُلقِه عليه أنت، هو فاعل خير أيضاً !

ذات يوم و أنا عائد للمنزل وجدته يمر بجوار امرأة جالسة على جانب الطريق و أتذكر أن كان أمامها مناديل ورقية تبيعها، و إذ بي أُفاجأ بأنه يضع يده في جيبه لِيُخرج منه صدقة يضعها في يد المرأة المسكينة.

و على أن هذا الفعل في حد ذاته موجود بكثرة في بلدنا، إلا أن سر مفاجأتي هو أن هذا الرجل الذي يتصدق عليه الناس لبساطة حاله، لا يتوانى عن التصدق على غيره في يسر و بدون تردد.

و الحقيقة أنني من أن رأيت هذا الفعل حتى تذكرت جزء من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: الراحمون يرحمهم الرحمن.
رحم الله الرجل المُتصدِّق و الذي يستحق بكل ثقة أن يكون مُتصدَّق عليه و غفر له و جعل ما يفعله في ميزان حسناته.

الحديث:

الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ . ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ ، الرَّحمُ شَجْنةٌ منَ الرَّحمنِ فمن وصلَها وصلَهُ اللَّهُ ومن قطعَها قطعَهُ اللَّهُ

الراوي: عبدالله بن عمرو 
المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1924
خلاصة حكم المحدث: صحيح


Sunday, January 18, 2015

إلى من؟

ليس من الحكمة إلقاء الخُطَب على قبور الموتى، و إنما مخاطبة الأحياء هي الأجدى ..
و كم من أحياء و لكنهم موتى .. القلوب !

Monday, January 12, 2015

صفحات من يومياتي "الجد"

صفحات من يومياتي

"الجد"

بقلمي: عمر الطحان

المكان: حلوان – شارع جعفر باشا متفرع من شارع زكي – حلوان الشرقية

الوقت: بعد العصر في يوم صيفي

الزمان: حول منتصف الثمانينيات من القرن العشرين

الحدث: كنت أمام فرن للخبز البلدي لأشتري للمنزل كما عودتني أمي في أمر الاعتماد عليّ في إحضار بعض احتياجات المنزل منذ صغري.

كان الطابور طويلاً و شعرت بالملل من الوقوف الطويل بدون حركة و أنا كأي طفل لا يزيد عمره عن العشر سنوات أرغب في المزيد من الحركة، و كانت هناك شجرة ملاصقة للمخبز، كبيرة وارفة الأغصان كثيرتها و تتمتع أغصانها بالقوة و السُمك.
و بحكم نشأتي في عمارة المقاولون العرب و التي لها حديقة بها شجرة أخرى كبيرة قد تعودت على تسلق الأشجار للعب، و عندما رأيت الشجرة بجوار المخبز و الطابور المُمل الطويل لم أستطع مقاومة تسلق الشجرة لتمضية الوقت في اللعب عليها بعيداً عن الطابور.
 

و لا أذكر في الحقيقة أكانت أول مرة لي في التسلق أم عندما تكرر الأمر عدة مرات أن وجدت عند نزولي منها من يناديني: "طرزان"، فالتفت لأجده هو من يناديني، رجل طويل أميل للنحافة، أبيض البشرة مشرب بحُمرَة، أبيض الشعر ناعمه و قد خط الزمن على وجهه و يديه تجاعيد عميقة و نمش يناقض لون بشرته، عيناه زرقاوان صافيتان و وجهه يحمل وسامة لم ينجح الزمن في إخفائها.

سنه وقتها لربما جاوز السبعين بسنوات، و لكن الحيوية كانت تنبض في عروقه، ابراهيم كان اسمه و "الجد" كان لقبه، كان يعمل في ورشة حدادة على الجهة المُقابلة للمخبز و كان كل من يعملون معه ينادونه ب "يا جِدّ".

ناداني "الجد" و قال لي: نعم أعنيك أنت. فلما ذهبت اليه قال لي: هل تعرف طرزان؟ فلما أجبته بلا قال لي أنه يحب "التنطيط" مثلي على الأشجار و ما أن عَلِم أنني أحب القراءة قال أنه سيُحضِر لي غداً معه قصة من قصص طرزان لأقرأها لأنها مليئة بالمغامرات الشيقة و ستعجبني. و قد عرض عليّ أن انتظر دوري في الطابور معه في ورشته و أن أشاهده و هو يعمل في هذه الأثناء و في هذه الأثناء كان يُحدثني عن طرزان و مغامراته الشيقة في الغابة و أنا منجذب اليه و قد نسيت الشجرة.

و بالفعل كانت القصة المكتوبة و ليست المصورة في انتظاري المرة القادمة و أعتقد أنها كانت خطوة ذكية منه لأن القصة المكتوبة ستأخذ وقتاً أطول في القراءة مما سيُبعدني عن الشجرة و التقافز عليها و تسلقها.

شدت القصة انتباهي حتى أتى دوري في الطابور فاستأذنته في أن آخذها معي للمنزل و آتيه بها غداً، و بالفعل انكببت عليها حتى أنهيتها و ذهبت اليه لأجده قد أحضر لي أخرى حتى لا يدع لي فرصة للتفكير في تسلق الشجرة. و كنت لا أُمضي الوقت فقط في القراءة و لكني أحياناً أشاهده و هو يعمل و أحياناً يحادثني و يحكي لي أقاصيص مختلفة لتمضية الوقت.

نمت بيننا علاقة زادت قوتها مع الوقت حتى صرت أزوره تقريباً في كل مرة أذهب فيها إلى السوق أو إلى المخبز و كان لصنيعه معي أثران:
الأول هو البدء في انتقال حبي للقراءة من المصورة إلى المكتوبة بالكامل، و الثاني هو البدء في الالتفات بصورة جدية للأدب العالمي المكتوب و القفز على سلم القراءة درجات تأخذ أعواماً من غيري للوصول اليها، كل هذا و أنا لم أُتم العاشرة من عمري بعد.

 رحم الله الجد ابراهيم و غفر له و أثابه عني كل خير.

Tuesday, January 6, 2015

فصل الحنين

إذا ما نهش الشوق قلبك بلا رحمة فاعلم أن فصل الحنين قد هلَّت بشائره.

Sunday, January 4, 2015

رجل سيتي ستارز

من الأماكن الممقوتة لديّ مول سيتي ستارز، ففيه أشعر أن كل شيء مُوَّجه لطبقة أخرى لا أنتمي لها و لا أُحب، مما أراه من أغلب المنتمين اليها.

كنت هناك يوماً لأشاهد فيلم Interstellar بعدما أعيتني الحيل لأشاهده في سينما أخرى و لم أستطع، و وسط شعوري بالغربة في هذا المكان الذي يتحدث لغة غير لغة أغلب هذه البلد المطحونة و يخاطب مجموعة من البشر تكاد تأخذ قرارها بالسكن في مجمعات منفردة عن باقي "الأغيار" كما أبدع د. أحمد خالد توفيق في روايته "يوتوبيا" و ذلك حتى لا يختلطون بملح الأرض الذي يثير اشمئزازهم أو يُذكرهم بما مضى، أجد وسط هذا كله أنني أبحث عن مُصلى لأصلي العصر مع صديقي قبل أن يؤذن علينا المغرب فنتوه طويلاً و نسأل كثيراً حتى وجدنا واحداً.

و ما أن اقتربنا من المُصلى حتى وجدنا رجل أربعيني يبدو من ملابسه و شكله أنه غير مصري، يجلس بجوار خزانة الأحذية الخاصة بالمُصلى و جيبه به بعض العملات التي جاد بها عليه بعض رواد المُصلى، و التي قد تكون آخر اليوم هي ما يسد به رمق أطفاله أو يشتري به دواء ما، أجده وهو جالس في هدوء بجوار خزينته في وداعة و صفاء ملامح لا أجدهما في أغلب مرتادي هذا المول المُرسخ للنمط الإستهلاكي في مجتمعنا.
و ما أن صلينا العصر حتى آن وقت المغرب لأجد الرجل الأربعيني يدخل المُصلى بهدوء مستجمعاً صوته ليشدو بالأذان في خشوع و سكينة لأستمع إلى واحد من أحلى ما سمعت في حياتي من أذان للصلاة و صلى ركعتي تحية المسجد و أقام للصلاة في وقتها و بعد الصلاة جلس يختم الصلاة و يُتمها ثم يُصلي السُنّة بدون التفات لمن يخرج آخذاً حذائه و معه أمله في بضعة عملات قليلة هو أحوج اليهم، و لكنه فضّل نداء الآخرة على نداء الدنيا .. و بدون التفاتة واحدة نحو الباب.

أجد هذا النموذج مُعادِل بقوة و إن نَدَر و قَل للنموذج الإستهلاكي الصارخ للمول بكل ما يمثله في كثير من الأحيان من حب للظهور و من تكاليف باذخة للحياة يستطيع المرء أن يوجهها في أوجه إنفاق أخرى كثيرة و يحتفظ لنفسه في نفس الوقت بالأناقة التي يريدها و بنصف أسعار هذا المكان سواء في الملبس أو المأكل.

هذا الرجل بخزانته و زاويته الصغيرة التي أحسست فيها بخشوع و بهدوء أعصاب و راحة نفسية و سكينة لم أجدهم في أكبر و أفخم المساجد التي دخلتها كانوا واحتي الصغيرة الجميلة في صحراء النمط الغربي الإستهلاكي التي عشت فيها بضع ساعات.