Thursday, December 14, 2006

أدب الإختلاف


سأتكلم عن نقطة من أهم النقاط التي تكون في مجموعها ما يطلق عليه أدب الاختلاف هي نقطة احترام الذات !!

وقد يتعجب البعض من الكلمة ويظن أنني أخطأت وأنني كنت أقصد احترام الغير "بمعنى الطرف الآخر من النقاش" ولكن الحقيقة هنا أنني أقصد ما قلته حرفياً ...

فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما معناه" : لا يسب أحدكم أباه .. فقالوا وكيف يسب الرجل أباه يا رسول الله فقال يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه ويسب أمه فيسب أمه".

أعتذر إن كان هناك اختلاف عن النص الأصلي ولكني ذكرت "ما معناه" لهذا السبب.

المهم ... المقصود من ذكري لهذا الحديث هو التذكير بأن احترام الإنسان لنفسه هو من احترامه لمن يواجهه.... وعليه فإن عفة اللسان والترفع عن الصغائر وعدم تصيد الأخطاء للغير هو من أسس وقواعد احترام الإنسان لنفسه.. لأنه بهذا يملك قوة كبح جماح نفسه وغضبه .. والإحسان لمن يستطيع الإساءة إليه ... وهذه هي منتهى القوة.

لذا فالقاعدة العامة هي أن الاختلاف في حد ذاته رحمة ونعمة... ولكننا بكفاءة تامة نحوله إلى نقمة .

هل تعلمون أن في الغرب يعتبرون أن هناك مساحة شخصية للفرد لا يصح أن يتعداها من يتحدث معه ..؟؟ وهذه المساحة هي بامتداد الذراع.

وهذا معناه أن اياً منا يجب ان تكون له مساحته الخاصة التي يتحرك بداخلها على حريته ولا يصح أن يتجاوزها او يتعدى عليها أحد. وهذه المساحة سواء فيزيائية كالتي تكلمت عنها أو معنوية كحرية الرأي فهي شيء يجب احترامه وتقديره وعدم التعدي عليه.

كلنا يعتقد أن رأيه صواب ورأي غيره خطأ .. وينسى أن الأئمة كانوا يقولونها بأسلوب يرقى كثيراً بالمعنى "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"

وهنا الباب مفتوح أو موارب ... لأنهم لا ينكرون النقاش حول أي مسألة .. لأن الغرض دائماً هو إثبات الصحيح ودعمه وليس إظهار صحة وجهة النظر ودحض المنافس.. والإمام مالك قال ما معناه "لو جاءكم كلام بدليل من كتاب الله وسنة رسوله يخالف رأيي فاضربوا بكلامي عرض الحائط"

وهؤلاء هم أئمة الإسلام ..

و الإمام أبو حنيفة عندما جاءه من ينكرون على علي بن أبي طالب قبول التحكيم بينه وبين معاوية قال لهم أنه يؤيد ما فعله سيدنا علي وقال لهم أنا اختلف معكم وانتم تختلفون معي ... فما الحل بيني وبينكم في هذه النقطة .. فأجابوه .. نقبل بحكم بيننا وبينك .. فقال لهم : إذن لم تقبلون التحكيم على أنفسكم وتنكرونه على الإمام علي؟"

والإمام الشافعي غير من فقهه وفتاويه عندما حضر إلى مصر ... ولم يستكبر ... وإنما بتواضع العالم عرف ان ما يناسب أهل العراق لا يناسب أهل مصر "ولم يخالف شريعة ولا سنة سواء هنا أو هناك"

هؤلاء هم الأئمة ... ألا ترون أننا يجب أن نهتدي بهم وبما فعلوه ؟؟؟

أتعلمون أن الإمام الشافعي صلى على قبر الإمام أبو حنيفة عندما زار القبر بطريقة أبي حنيفة وليس بطريقته ؟؟ وذلك احتراماً وإجلالاً لقدر ومقام أبا حنيفة.

ومن هذا يمكننا أن نتعلم أن احترامي لرأي من أمامي وتقديري له سيكون له مردود ايجابي علي أنا شخصياً ..

وليس منا من يستطيع الحكم بأن رأيه هو الصحيح على إطلاقه .. وإنما يستطيع أن يبرهن على صحة وجهة نظره.

وأنا من متابعتي واشتراكي في العديد من مواضيع الاختلاف الدائم والنقاش المحتد أرى أن مشكلتنا هي تشخيص المشكلة.. بمعنى تحويلها من مشكلة علمية إلى مشكلة شخصية .. وبدلاً من الحفاظ على أسلوب علمي راق في الكلام وحتى مع الاختلاف لا ادع الفرصة لنفسي بأن أسفه أو اقلل من شأن من يواجهني ... لأنني بهذا أتيح الفرصة الذهبية له كي يفعل المثل معي .. وعندها لن أشعر بأنني أخطأت في البداية ... بل سأتعجب واستغرب من الذي يواجهني .. وسأرى فقط أنه يهاجمني ولن انظر لنفسي لأرى أنني من بدأ الكلام.

ولكن الحقيقي والأكيد أننا كشرقيين وعرب "وبالمناسبة مصر عربية شرقية وأنا مصري عربي مسلم معتز بلغتي العربية وبإسلامي وبشرقيتي " أقول أننا عاطفيين ونحكم على الأمور بتسرع وعدم روية ... وأقول بكل ثقة أننا لا تزال تحكمنا القبلية والتعصب. وما يحدث في كل حلقات ومنتديات النقاش العربية .. حتى على القنوات الفضائية لهو خير دليل على هذا... وعيبنا أننا نداري على عيوبنا بدلاً من مواجهتها... وبدلاً من أن يواجه كل منا نفسه ويسمح للآخرين بمواجهته "بالذوق والأدب " أقول بدلاً من أن نسمح بهذا بل ونرحب به نجد أن كلاً منا يهاجم كل من يحاول توضيح عيب أو وجه خطأ فينا ونهجم على من كلمنا ... لتتحول المسألة إلى معركة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالهدف الأصلي للكلام.

رجاء خاص من الجميع أن يحاول كل منا أن ينظر للأمور من زاوية أوسع قليلاً.

هناك من يملك علم غزير ويجتهد للحصول على المزيد .. ويبذل مجهود حقيقي لتطوير نفسه .. ولكن ما أن يلوح في الأفق شبهة اختلاف معه أو رأي مغاير حتى يتبدل الحال ويتحول الكلام إلى ما لا يصح من مثله أن يقوله.. والحق أن العالم هو أجدر الناس بالتواضع و إنكار الذات والموضوعية في المناقشة واستيعاب من يواجهه وليس العكس.

أسهل شيء في الدنيا هو أن تجرح .. ولكن ما أصعب مداواة الجرح ... وأبسط شيء أن أسفه رأي من أمامي .. وأن أحب الإحساس المزيف بالانتصار الذي يعطينه علو صوتي أو التفوه بألفاظ تجبر من يواجهني على السكوت حتى لا يتردى في هاوية الكلام الجارح.... ولكن هل هذا هو الانتصار ؟؟؟ ألاحظ من متابعتي الدائمة لكل المناقشات والخلافات أن سواء طارح الموضوع أو المشاركين في النقاش يدخلون حلبة النقاش بفكرة مسبقة وتحيز واضح ... وهناك من يذكر في أول كلماته أنه هنا ليثبت فشل أو كذب الرأي الفلاني وهذا يعطي انطباع لمن يريد النقاش الهادئ والعقلاني بأن لا فائدة من النقاش وأن الانسحاب أكرم.


ألم يأن لنا كعرب أن نتعدى سن الرشد ونتعرف سوياً على حقوقنا وواجباتنا تجاه الآخرين؟؟؟

معروف أن صغار السن تكون ال "أنا" عندهم عالية جداً والأنانية تكون عنوان تعاملهم مع العالم الخارجي ... ولكن مع النضج العقلي والسني نجد أن الإحساس بالعالم الخارجي يعلو عن الأنا ويبدأ الفرد يفكر بمن يحيطونه ويبدأ في وضع أولويات ومقاييس في التعامل ..

تحياتي واحترامي للجميع وأرجو من قلبي أن تكون كلماتي لها تأثير ايجابي ومردود مناسب .

والله من وراء القصد.

4 comments:

Anonymous said...

أخي عمر , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

اهنئك على اختيارك لموضوع هو من اهم المواضيع أو إن صح التعبير نقول عنه مشكلة من اهم المشاكل اللتي نوجهها الآن ومنذ زمن بعيد !

و لا اخفيك انني دائما افكر في نفس هذا الموضوع !

بشكل عام أنت اتيت على كل النقاط تقريباً ولم يبق لي مجال لأن اوضح اي شيء - ما شاء الله - .

هي نقطة احببت ان اضيفها هنا ..

وهي اني استنتجت من خلال ما اراه من مشاكل بيئتي التالي :

إذا لم يكن لدى الشخص ذخيرة لغوية كافية ومعرفة بآداب التعامل فإنه يعجز عن التعبير عن ما يريد وعن مشاعره تجاه شيء أو شخص معين وبهذا ينشأ الفهم الخاطيء من الأشخاص المحيطين لهذا الشخص وتنشأ المشاكل بسبب سوء الفهم !

اتمنى تكون وصلت فكرة الاستنتاج المتواضع ..

وكل الشكر لك ولاجادتك طرح الموضوع ...

L.G. said...

وجدت سوء الاختلاف في المدونات يصل لحد الكلام البذئ
ونادرا ما أجد مدون لا ينجرف مع من يخالفه الى هاوية الكلام البذيئ

عن نفسي عندما أتعرض لإختلاف الرأي وأجد مهاجمة ممن يحاورني تخرج بنا سويا عن أدب الحوار أتوقف عن الجدال تماما وأحتسب ما يصيبني من كلام عند الله
ولا أرد ليس ضعفا ولكن درءا للمزيد من تلك المهاترات

في مصر أدب الحوار مفقود تماما لذا لا أحب برامج الحوارات والصوت العالي

المشكلة في التربية

Omar El-Tahan said...

eng : reem:

أتفق معك فيما توصلت أليه واسمحيلي بإضافة بسيطة ... التربية والتعليم وقبلهما الدين هم كلمات السر لحل هذا الموضوع ... ديننا يحثنا على حسن معاملة الناس والأحاديث النبوية كثيرة .. ولكن من يقرأ .. ومن يعي ...

نأتي للتربية ... في البيوت ينشأ الصغار على أصوات المشاجرات بين الأبوين وسء ردودهما على بعضهما والإهانات المتبادلة بينهما على مرأى ومسمع من الجميع .. فماذا تنتظرين ؟؟؟

وحين يكون رد الأهل على الطفل حين يشتكي من أي زميل له: لا تترك حقك .. خذ حقك ولو بيدك ... وغيرها كثير من الأمثلة .. فماذا تنتظرين ..

وحين يكون المعلم والأستاذ و مدير المدرسة ودكتور الجامعة هم أول من يستبدون بأمرهم ورأيهم ولا يسمحون بأي خلاف أو اختلاف .. فماذا تنتظرين؟

وحين يرى الشعب أصناماً قد تحجرت في عروشها تحول الجهات الأمنية في بلادها إلى حرس خاص لهم وليذهب الشعب إلى الجحيم .. فماذا تتوقعين؟

Omar El-Tahan said...

l.g:

ليس في المدونات فقط ... بل في كل مناحي الحياة .. للأسف الناس لا ترى غيرها ولا تريد الإستفادة من الآخرين ... أتعلمين أنني أتعجب جداً حين أجد حوار هادئ ومستقر بين طرفين أو أطراف ويستمر بنفس هدوئه حتى النهاية؟؟ الناس يعشقون الإختلاف والإساءة حتى لو كان النقاش على موضوع هم في الأساس متفقين عليه.