كان يوم الجمعة فرصة سانحة لي ولأصدقائي المقربين لكي نلتقي محاولين ألا نسمح لظروف الحياة من عمل ومشاغل أن تباعد بيننا، واتفقنا أن نذهب لمدينة الشيخ زايد التي يسكن فيها أحدنا لنبتعد عن صخب القاهرة وتلوثها من جانب وحتى نريحه قليلا من عناء المواصلات لمدينته عندما يكون معنا في الهرم ويضطر للرجوع متأخرا عبر طريق رأس الرجاء الصالح عن طريق رمسيس لعدم وجود مواصلات من الهرم لزايد بعد الحادية عشرة مساء.
أردت أن أصلي العصر في المسجد قبل أن نبدأ جلستنا وكان قد مر على وقت الصلاة حوالي نصف ساعة، ذهبت للمسجد القريب وهو مسجد كبير يسع حوالي ٤٠٠ مصل وله حديقة وسور خارجي لأفاجأ بخادم المسجد يقول لي أنه يجب أن يغلق المسجد الآن !!!
فسألته: "انتوا هاتمنعوا الناس من بيوت ربنا كمان؟؟" فوجدته يعتذر عن عدم إدخالي بسبب تعليمات وزارة الأوقاف بإغلاق المسجد بعد وقت كل صلاة بنصف ساعة، وأخبرني بأنهم "هايخربوا بيته" لو ساب المسجد مفتوح بعد الصلاة بنصف ساعة، وبينما أنا ذاهل ولا أعرف بما أرد عليه وجدت حصيرة أمام باب المسجد ومثبتة بقطعتي حجارة من الأجناب فعرفت على الفور أن الرجل المسكين توصل لهذا الحل البسيط للالتفاف حول القرارات الهمايونية لوزارة وقف شعائر الدين.
بدأت الصلاة وكأن ربي أراد أن يعوضني فرزقني بصلاة جماعة على غير نية مني إذ وجدت رجل ينضم إلى و تلاه رجلان، فسبحان الله على حكمته وجوائزه الفورية، بعد أن انصرفت فكرت في الرجل المسكين الذي يتلقى كل اللوم و التقريع من الناس وهو لا ذنب له، بل ولا يملك من أمره شيئا، ولكن ربه الواسع الرحمة أراد له ثواب مستمر بأن هداه لفكرة الحصيرة، فسبحان الله الذي أتاح له باب ثواب لا ينقطع بإذن الله وأجر من سهل للناس أن يصلوا في جماعة و ليكن أمر الله غالب ولو كره الكارهون.
خالص التحية لأبو حصيرة الحقيقي وهنيئا له بحصيرته التي ستخلد اسمه في سجل المولى بحروف من نور، و ادعوكم جميعا للدعاء بظهر الغيب لهذا الرجل البسيط الذي غير منكرا وبيده ولكن بتصرف عاقل حكيم وليس بتهور قد يضر ولا ينفع احد ليخسر الجميع ولم يتجاهل الأمر وينصاع لأوامر حمقاء تمنع الناس عن بيوت الله و يصبح مثال آخر للسلبية التي نعيشها كلنا.
كما أضع علامة استفهام ضخمة أمام تصرف الوزارة التي ستكون حجتها هي منع التجمع وعدم تحويل المساجد لاستراحات للمارة ولضمان عدم وجود نشاط ديني لا سمح الله، لو كانوا بهذه الدقة والصرامة فأنا أدعو وزارة الأوقاف لتولي الإشراف على الملاهي والكباريهات لضمان الالتزام بمواعيد الرقص .... أقصد العمل اليومية وضمان عدم تخطيها فيجد الغلابة المتجهين لأعمالهم صباحا وهم يدعون الله أن يعينهم ليكملوا الشهر دون اقتراض فيرون السكارى يترنحون وهم خارجين ليذهبوا للنوم بعد شقاء الليل بطوله.
أما خادم المسجد فهنيئا له حسابه المفتوح في بنك ملك الملوك باسم .... أبو حصيرة.