Saturday, March 1, 2008

تحسبهم أغنياء من التعفف

واجه العديد منا مواقف متعددة مع المتسولين سواء كان التسول مباشر أو عن طريق بيع أشياء بسيطة كالمناديل الورقية مع قبولهم لأي نقود بدون شراء مناديل. وهناك موقف طريف عايشته بنفسي عندما كنت أنتظر أحد أصدقائي أمام أحد مطاعم الوجبات السريعة بوسط المدينة حيث كانت إحدى النساء واقفة بجانب الباب تستجدي الناس أن يشتروا لها وجبة من المطعم وكانت ترفض أخذ نقود وتطلب من المعطي أن يشتري لها وجبة.

الموقف على طرافته مستفز حيث أنها ليست في وضع يسمح لها بالإشتراط، بل وتحديد نوع الطعام ومكانه أيضا. ولكن الموقف الذي أثار اندهاشي بالفعل هو أم و طفليها (صبي وفتاة) واللذان لايتعدى عمر أكبرهما )الفتاة(الثانية عشرة وقد كانوا يجلسون قرب باب المطعم أيضا مفترشين الأرض ويبيعون مناديل ورقية وكل فترة ترسل الأم أحد الأطفال ليسأل الواقفين إن كانوا يريدون شراء مناديل منهم.

وعندما جائت الفتاة تسألني لم أكن أحتاج لمناديل ولكني أخرجت لها مبلغ وحاولت إعطائها إياه ولكني فوجئت برفضها أخذ النقود واشترطت أن آخذ مناديل مقابل النقود وقد اندهشت وأعجبت في الوقت ذاته بموقفها وسألتها عن السبب فأجابتني أنها تبيع المناديل ولكنها لا تتسول من الناس و قررت أن اشتري منها إعجابا بموقفها وأعطيتها مبلغ أكثر من ثمن علبة المناديل لأفاجأ للمرة الثانية برفضها أن تأخذ أي مبلغ زائد عن ثمن العبوة.

وهذا الموقف الفريد من نوعه أثار العديد من التساؤلات بداخلي حول هذه الأم وأبنائها اللذين يتكسبون رزقهم بهذه الطريقة ويأبون أن يأخذوا أكثر من ثمن سلعتهم ذات السعر القليل، وبساطة مظهرهم تدل على حاجتهم لكل قرش يحصلون عليه إلا أنهم يتعاملون بعزة نفس تثير الإعجاب لأنهم لا يقبلون إلا ما يرونه مقابل بضاعتهم، وشخصيا أرى أن هذه الأم على بساطة حالها فهي تعلم كل الناس درسا في القيم والأخلاق وهي من يحتاج لكل قرش زائد إلا أنها تأبى الصدقة أو الإحسان وتكتفي بالرزق القليل و الحلال على عكس الكثيرين ممن يستحلون أي مال يستطيعون الحصول عليه بغض النظر عن استحقاقهم له أو كونه حلال أم لا.

ولو كان الأمر بيدي لكرمت هذه الأم واعتبرتها أم مثالية لأنها تنشىء أبنائها وتربيهم على قيم لا يعلمها الكثيرون لأبنائهم، وتعففها عن قبول الصدقة أو الإحسان يجعلني أتذكر الآية الكريمة التي تتحدث عن هذه النوعية من الناس )بسم الله الرحمن الرحيم (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، لا يسألون الناس إلحافا) صدق الله العظيم(.

وهناك موقف آخر مختلف عن هذا ولكنه يندرج تحت مسمى التعفف أيضا و يتمثل في رجل كنت أراه منذ بعض السنوات في شارع الألفي في وسط المدينة وكان مظهره يدل على أنه موظف و تعامله ينم عن أصل طيب و قيم أخلاقيه نشأ عليها، كان هذا الرجل يتجول في الشارع حاملا صينيه بها عبوات شاي مغلفة وأكواب بلاستيكية ذات الإستخدام الواحد و سكرية و يحمل في يده الأخرى تورمس مياة ساخنة و كان يبيع الشاي لمن يطلبه وبنصف سعر نفس الكوب لدى المقاهي.

في البداية تعجبت من مظهره وعدم مناداته على ما يبيعه فأثار فضولي للشراء منه لمحاولة استشفاف طبيعته لأفاجأ بإنسان محترم جدا ومهذب لأقصى حد.

وما استطعت أن أصل إليه بتفكيري أنه موظف حكومي ولا يكفيه مرتبه بطبيعة الحال واختار أن يزيد من دخله بهذه الطريقة، وشخصيا كنت اشتري منه دائما شاي كلما ذهبت لهذه المنطقة بل و أبحث عنه لو لم أجده فقد أعجبتني عزة نفسه و احترامه لذاته ومن يتعامل معه حيث كانت عبارات من نوعية اتفضل حضرتك) و (بألف هنا وعافية) و (أشكرك) هي السائدة في كلامه(.

هذه نماذج بسيطة من نوعيات موجودة بمجتمعنا و تستحق منا كل تقدير واحترام لإختيارهم الحياة بشرف وأمانة وعزة نفس وسط كل الضغوط والظروف المعاكسة التي تواجه الجميع الآن. وما أحاول عمله بموضوعي هذا هو إرسال تحية صادقة لهذه النوعية من البشر ومحاولة لفت الإنتباه لأن هناك من الناس من يأبى إلا أن يكون رزقه بالحلال وأن مجتمعنا لا تزال به نوعيات من البشر تقول بأن الخير لا يزال موجودا بهذا البلد. بلدنا حلوة ولكننا تعودنا على رؤية القبح من حولنا فأصبحنا لا نرى الجمال من حولنا، فلنبحث عن مواطن الجمال وسنجدها .... فقط ننحي النظارة السوداء التي نرى بها بلدنا جانبا على الأقل لنرى الأشياء التي تجعلنا نصبر عما نحن فيه ويبعث فينا الأمل في غد أفضل.

11 comments:

سلوى said...

هو الملاحظ في مواضيعك

قوة الملاحظه
بتنظر لمن حولك بعمق مش بسطحيه
وموقف ويعدي

إنت عرضت نمازج فعلا جديره بالإحترام

والجميل
إن مثلين طيبين ضد مثل غير طيب

يعني الخير أكتر

بوست حلو فعلا
دمت بكل خير

مجداوية said...

الأخ الكريم ,,اولا أشكرك جزيل الشكر لمرورك على مدونتى وصدقنى أنا لم أقرأ الميل الذى وصلك لتوصيف الحكومة ولكن كثيرون لفت نظرهم كل هذه الأسماء البراقة والحسنة فى جكومة كلها سيئات وهذا التناقض هو ما يلفت وهو ما يضحك بمرارة ,,ما تناولته أنت فى موضوعك يستحق الوقوف عنده لأنه أصبح كالماسة وسط قطع الزجاج قد يسقط عليها شعاع الشمس فيضيع بريقها وسط انعاكسات الزجاج ولكنها تبقى غالية تبحث عن من يلاحظها ويفدر قيمتها وهكذا فعلت أنت فأنت خبير مثمن يا باشمهندس ,,بارك الله لك و زاد الله من أمثالك ومن هذه الماسات البراقة الغالية فى عصر الزجاج

المـــفـــــــقــــــــوعـــــة مــرارتـهــا said...

أشكرك علي مرورك الكريم مش لزيارتك فقط لكن لانك وصلتني لمدونتك التي تبعث الامل عندي في مجتمع احسن من اللي انا للأسف شايفاه
انا مثلاً كنت أمبارح برة ووقفنا في إشارات كتيرة بالطبع وآلاقيلك أيه ؟؟؟ ماسورة ولاد وبنات رثي المنظر وأنفجرت... حسنة لله يابيه ..وبالطبع احنا عندنا قناعة ان الولاد دول مسرحهم واحد كبير وبياكل من وراهم فلا نعطي لهم

لكن النمازج اللي انت عرضتها بجد نادرة للأسف

سنووايت said...

حكيت عن نماذج جديرة بالذكر وفي مقابلها مئات بل الالاف من النماذج السيئة , والله احيانا اتعرض لمواقف اقرر عدم نشرها علي المدونة لا لشيء الا من باب اذا بليتم فاستتروا, الكثير من الشعب المصري الان يمكنك ان تطلق عليهم "تحسبهم اغنياء من التعفف" واسال الله ان يقوي ايمانهم ويتمسكوا بتعففهم, احيي قلمك فطريقة عرضك للمواقف رائعة , قرات عدة مواضيع عجبني جدا "ربيع العمر" لاني كنت كتبت من فترة علي احد المنتديات موضوع عن سوء معاملة المسنين وكنت كتبت قصة قصيرة ايضا عن جحود الابناء ذكرني موضوعك بها..

Omar El-Tahan said...

Salwa

أشكرك على كلماتك الرقيقة

مجداوية

كلماتك مؤثرة جداً وأنا أؤمن بمقولة أن غداً يوم آخر ... لابد من زرع الأمل حتى لا نفقد الحلم ... فلو فقدنا القدرة على الأحلام أيضاً لكانت النهاية

وبالنسبة لأسامي الوزراء فأكاد أقسم أنها من سخرية القدر ... فكم بك من المضحكات يا مصر ولكنه ضحك كالبكاء

المفقوعة مرارتها:

دوما وفي أي مكان وزمان نجد الغث أظهر من الثمين ... ونجد الزبد يعلو ما ينفع الناس وهو الظاهر .. والغالي دوماً صعب المنال ويستحق البحث عنه والتنقيب

فهذه النماذج النادرة هي التي تشعرني بأنه لا يزال هناك أمل ... ربما أكون حالم .. ولكني أرى الحلم أول درجات الأمل

سنووايت:

دوماً الأفاضل مطحونين ومقهورين ... فما رضا الرب بسهل المنال ... وحفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره

لذا فمن يصبر ويحتسب هو من له الجزاء الأوفى

أما موضوع ربيع العمر فهو موضوع مؤلم جداً ونحن للأسف نعامل مسنينا بمدأ خيل الحكومة ... وما موضوعي إلا صرخة .. لعل هناك من يهتم .. أستأذنك في ارسال روابط للقصة القصيرة التي كتبتيها وكذلك الموضوع بالمنتدى .. تشرفني قرائتهم

Saad El-Shater said...

علي عكسي تماما
سافرت المنصورة لقيت متسولين
واي حته الاقي فيها
حاجة وحشة اوي

سنووايت said...

هو المنتدي انا سبته من زمان وصعب ادور علي الموضوع فيه دلوقتي بس باختصار الموضوع كان عن موقف حصل امامي من احد البائعين انه بيده دفع والدته بكل قوته وكاد يطرحها ارضاً غيرالاهانة والشتائم لدرجة ابكتني يومها ولازال الموقف في مخيلتي من يومها من اكتر من 3 سنوات يمكن

اما القصة فكنت كتبتها ايضا من فترة طويلة وهي كانت محاولة بسيطة عن تجربة حقيقية والرابط بتاعها اهو :
http://tweetyagain.spaces.live.com/blog/cns!263750A243DB783B!1408.entry?_c=blogpart

L.G. said...

ايوة هو ده المهم
أن تقف وتشد من أزر هذه الأم وتقول لها أنها أحسنت التربية فهل فعلت ذلك ؟؟

هناك موضوع مشابه في مدونة جنى اسمه فوطة صفرا وموبايل جميل

يجب علينا استحسان الأفعال الجيدة وازدراء الغث منها ولو كان هذا اضعف الايمان

الحسن أصبح استثناء والغث قاعدة عندك حق يجب علينا تثبيت المبادئ وكل منا قدر استطاعته

Omar El-Tahan said...

saad alshater:

كل مكان به الجيد وبه الردئ .. المهم أن يكون عندنا أمل في بلدنا وألا نكتفي بالنظرة السوداء فقط ...

خالص أمنياتي بخروج الوالد قريباً بإذن الله

Omar El-Tahan said...

سنووايت:

شكراً على الوصلة وعلى الحكاية المرعبة

Omar El-Tahan said...

l.g:

دايماً الكويس قليل .. فيه مثل بيقول ... بضدها تتمايز الأشياء

لو لم يوجد السيء لما شعرنا بوجود الحسن .. عيبنا أننا نرى السيء فقط ونتعامى عن رؤية الجيد والحسن