تعودت على رؤية مظاهر الحب على صغار السن من المحبين وحديثي الارتباط أو الزواج ، ولكني فوجئت أن هناك من مظاهر الحب ما يتبدى مع فئات و أعمار مختلفة تتحدى نظرية الملل الزوجي والتعود الذي يخلق نوع من الرتابة. ولكن هذه المظاهر تنبئ عن نوع مختلف نوعا من المشاعر ... أعتقد أنها مشاعر المودة والرحمة المتبادلة التي تحدث عنها القرآن .
لي من أقاربي زوجين قاربا على إتمام ٢٥عام من زواج أعتبره من أفضل ما رأيت من نماذج الزواج في حياتي، من مظاهر الحب الذي يربط بينهما ما يتجلى في المناسبات السعيدة كالأفراح، حيث أجد أنه عند التقاط صور جماعية وتواجد أحدهما دون الآخر في مكان التصوير فإنه يوقف التصوير حتى ينادي على الآخر حتى يقفا بجانب بعضهما و يتواجدان سويا في نفس الصورة، وحتى الآن فهذه صورة قد تكرر مع بعض الناس ولكن الفريد معهما هو طريقة استقبالهما لبعضهما عند قدوم من لم يكن موجودا، فتجد أصابعهما تشابكت و ترى أعينهما قد تلاقت في حب و شوق وكأنهما لم يلتقيا منذ دهر، ووقت التقاط الصورة تجد الزوج قد ضم زوجته اليه في حنان طبيعي غير متكلف ولا مصطنع .
قد يتبادر إلى ذهن العديدين أن هذه التصرفات قد تكون غير أصيلة في تعاملاتهما ولكن الدلائل التي تظهر مع اختلاف المواقف وتعددها وخاصة عندما يكون المحيطين بهما من أقرب الأقرباء تنبئ عن تأصل هذه المشاعر ودوامهما معهما.
هناك فكرة قد تتبادر إلى ذهن البعض أن هذه المشاعر المترفة قد تكون طبيعية مع ارتفاع المستوى وقلة الضغوط المحيطة ... ولكن هناك موقف آخر عايشته يشهد بأن هذه الرقة في المشاعر غير مرتبطة بأي عامل غير المودة والرحمة المتبادلة .
فقد كنت مستقلا لأحد وسائل المواصلات الجماعية، وحين تأهبت للنزول وقمت من مكاني وجدت زوجين يجلسان أمامي ... الرجل في منتصف العمر ...و يرتدي جلباب بلدي من النوع الذي يرتديه أولاد البلد عند الخروج لمناسبة وعلى كتفيه لاسة وتجلس بجانبه زوجته مرتدية جلباب بلدي مما يدل على مستواهما وثقافتهما ..... أما ما لفت انتباهي نحوهما فهو أنهما جالسين متشابكي الأيدي بطريقة رومانسية كانت تستحق أن تلتقط كصورة للدلالة على أن العيب في تفكير الأفراد وليس في المستوى أو الثقافة ... فنحن من يرضخ للضغوط ويسلم للظروف المحيطة قياده وينجرف في تيار الرتابة وحرمان النفس من تصرفات بسيطة تكفل له استمرار السعادة الزوجية وتضمن استمرار الإحساس الدائم بأن الزواج ليس هو نهاية السعادة وبداية عهد كئيب من المسؤوليات والضغوط المتزايدة .
فالزوجين رقيقي الحال اللذان رأيتهما كانت عندهما الرغبة في استمرار السعادة والإحساس بالمودة المتبادلة فحققا رغبتهما بأبسط الطرق الممكنة والتي تجعل من يتأمل حالهما ويمعن التفكير يجد نفسه يفكر تلقائيا في أن من لم تستطع بساطة حاله أن تمنعه من ري زهرة المشاعر بينه وبين زوجته فهو جدير بأن يكون مثال يقتدي به الكثيرين ممن يعتقدون أن التعود على وجود شريك الحياة يعني مرادف طبيعي للرتابة والملل الزوجي .
مجمل القول هنا إننا قادرون بأبسط الوسائل والطرق على الحفاظ على زهرة الحب يانعة ومتفتحة و إشعار شريك الحياة بأنه لم يصبح قضية مسلم بها وكيان مضمون الوجود معنا ولا داعي لمحاولة دعمه نفسيا و معنويا.وإشعاره بأن وجوده معنا لا يزال يمثل لنا قيمة عظمى وأن مشاعرنا نحوه ليست دفينة ولم تخب جذوتها، على العكس من ذلك فالحب لا يزال موجود وسبل التعبير عنه متوافرة ومتنوعة. المهم أن نبحث بداخلنا ونصارح أنفسنا بأن هذا ممكن وأن الطريق الصعب يبدأ بخطوة بسيطة تعبر بنا من بوابة الملل و الاستسلام للرتابة و الجمود إلى أجواء أخرى نحافظ بها على جذوة الحب بداخلنا نحو من نحبهم ونشاركهم الحياة.