Sunday, July 20, 2008

نيترو-جلسرين


كان انجذابهما تجاه بعضهما نتيجة الإنبهار بالنموذج المختلف عن المحيطين و كان الإختلاف و التميز الذي يشكله كل منهما بالنسبة للآخر عن الآخرين هو الحبل السري الذي ربطهما على مدار السنين و كان يقارب بينهما مهما باعدت بينهما الأيام ، في البداية كان يمثل لها نموذج موسوعي عن مختلف مناحي الحياة مما يجعلها دوما في طور الإستفادة بينما كانت هي بالنسبة اليه الزهرة الرقيقة التي تحتاج لعناية و لذا كانت الإختلافات بينهما قليلة وقتها.

ثم مع الوقت بدأ الإنبهار يخبو بينما لازالت الموسوعة لديها الكثير لتعطيه و الزهرة بدأ أريجها يفوح و تعطر الدنيا حولها و كما هي العادة بدأت في التقاط بعض النقاط من الموسوعة لتتعلم بها قواعد جديدة في الحياة للتعامل مع الناس و كان هو أول نموذج للتطبيق وبالطبع لم يكن التطبيق لصالحهما سويا، بل كان لمصلحتها هي فقط حيث كان يتحول من مصدر للمعلومة إلى نموذج مضمون للتطبيق.

و مع طول معرفتها به استطاعت أن تضع يديها على نقاط ضعفه تجاهها و تستغلها، وعلى الرغم من إدراكه لما تفعله هي إلا أن رد فعله كان سلبيا و اكتفى بمحاولاته الفاشلة لإيضاح الحقائق لها و محاولة تنبيهها أن العلاقة بين أي طرفين لابد لها من موافقة الطرفين على أي خطوات أو تصرفات تحدث من أحدهما حتى تستمر و تنمو بدلا من الذبول المتوقع نتيجة الفردية في اتخاذ القرارات والأنانية في تطبيقها حتى لو آذت الطرف الآخر.

بينما كان الوضع بالنسبة لها أنها تتحمل إنسان غريب عما حوله و حساس بدرجة لا تتفق مع الصورة التي تحب هي أن يكون عليها وله ميول تشاؤمية و مصر على أن يكون أي تصرف ملائم للطرفين معا بينما هي ترى أن كل طرف يفعل ما يريده و لا داعي للبحث عن مراعاة الطرف الآخر حيث لا يوجد رابط يجبرهما على ذلك.

و من هنا استمر الصدع بينهما يتزايد و كل منهما يحاول جذب الآخر نحو منطقته ولم يستطيعا الوصول لمنطقة وسطى بينهما تحقق توازن المعادلة، و مع استمرار الصدع في التزايد بدات الرغبة في الإستقلال تتولد بل وبدأت فترات البعاد تتزايد و الفتور أصبح هو سيد الموقف. أصبح من المعتاد أن يختلفا حول أمر أو تحدث مشادة بينهما لتبدأ فترة جفاء و انقطاع تام عن التواصل لأسابيع و أحيانا لشهور، حتى أتى عليه وقت قرر فيه أن حان وقت قطع الحبل السري و ليجرب كل منهما الحياة بعيدا و بحرية، فعندما حدثت بينهما مشادة جديدة لم يحاول أن يصالحها أو يعيد الأمور إلى نصابها، و هي لم تحاول الإتصال بعناد أصبح سمة أساسية بينها و بينه لدرجة أنه عندما كانت يتعجب من عنادها معه على كل شئ كانت تخبره أن هذا يحدث معه هو فقط.

مرت شهور طويلة كان طيفها يراوده أحيانا فيها يذكره بأيام خلت و ذكريات بينهما و هو لا ينفك يطرد هذا الطيف من خياله و في نفس الوقت يعجز عن إزالة أرقامها و بياناتها من هاتفه، مع مرور الوقت بدأت نفسه تهدأ و يرى أن القدر اختار الأفضل له و رضى بهذه النهاية و قنع بها.

وبينما كان في رحلة استجمام مع أصدقاؤه إذ فوجئ بإسمها على شاشة هاتفه و نغمتها الخاصة تتسلل لأذنه فاتحة في طريقها كل صناديق الذكريات و مهيجة كل ما وأده بداخله من فترة طويلة، تجاهل الإتصال و إن أرسل لها رسالة يعتذر عن عدم الرد لأنه لن يستطيع الكلام في الوقت الحالي، و لم يدر لم فعل هذا بينما كان قد بدأت نفسه ترضى بالوضع الجديد. بعد عودته من رحلته كررت اتصالها به وأجابها و هو موقن بأنه أخطأ في حق نفسه بالرد ليفاجأ بانهيارها في الهاتف و طلبها منه ألا يتخلى عنها فيما تمر به من محنة قاسية لم تخبر بها أحد غيره لأنها تشعر أنه رجلها و أنها تحتاجه بجوارها ليساندها و يشد أزرها.

ما أثار جنونه أنه اكتشف من كلماتها أن محنتها هذه تسببت فيها لنفسها بتكبرها و عنادها معه و محاولاتها الإستقلال عنه و إخفائها عنه ما تمر به، وعلى الرغم من أنه كان يشعر بهذا و استمر يسألها طوال عامين كاملين عن سؤال محدد هو مفتاح هذه الأزمة إلا أنها أبت إلا العناد، وعلى الرغم من هذا لم يتخل عنها و أبى إلا أن يساعدها حتى انتهاء أزمتها مع اشتراط أن ينتهي كل شئ بينهما بانتهاء مشكلتها، وافقته باكية مع أنها بيتت النية ألا يكتب هو سطور النهاية فقد استطاعت مع الوقت أن تضغط من جديد على نقاط ضعفه تجاهها مما نتج عنه الرجوع للمرحلة التي كان فيها هو الخاسر الوحيد ، و مع تزايد خبرتها بالعمل و استفادتها و تعلمها لأساليب التعامل مع الآخرين لتحفظ حقوقها حتى لو جرحت من أمامها حتى لا يبادر هو بجرحها وجد نفسه من جديد ضحية ومثال تطبيقي لما تعلمته مع الآخرين.

ابتسم في حزن و هو يلوم نفسه على هذا الوضع الذي تسبب فيه لنفسه بتسامحه و سلبيته معها و قرر الإنسحاب بهدوء من حياتها بعد أن فوجئ بها مرة تخبره أنها تعاملة معاملة الأغراب لأنها أصبحت لا تعرفه بسبب طلبه منها أن يبدءا من جديد دون النظر للماضي، في هذه اللحظة أدرك أنهما كانا .. نيترو جلسرين، مكونان يشكل كل منهما على حدة مادة مفيدة و نافعة لما حولها و لكن اجتماعهما سويا يكون كارثي النتائج حيث لا ينتج عنه سوى انفجار، كانا متشابهين في بعض الصفات التي لا يجب التشابه فيها من طرفي العلاقة بينما كانا مختلفين أشد الإختلاف فيما يشكل العماد الأساسي لأي علاقة ناجحة مما تسبب في زيادة نسبة التنافر بينهما عن مساحة التقارب.

داعب أزرار هاتفه و هو يعطيه الأمر الذي تأخر كثيرا ... أمر الحرية ... و بينما كانت البيانات يتم حذفها من الهاتف كان هو يلقي بآخر ما يربط بينهما في النيل ليحمله التيار الهادئ بعيدا و هو يغوص في بطء مغرقا معه آخر قيد و ساطرا في الوقت ذاته على صفحة النيل كلمات النهاية.

19 comments:

سلوى said...

قد يبقى بقلبه ذكرى ألم .. تخبو مع الأيام

ولكن من المؤكد

أنه سيبقى بقلبها بذره ندم .. تنمو مع الأيام

اسمح لي أن أقتبس بعض الكلمات من كتاب فجر طاقتك الكامنه في الأوقات الصعبه

لو أن هناك من سيحبك ، فاعلم أن هذا الشخص يحبك بالفعل ، وأنه ليس هناك ما ينبغي عليك عمله لتحظى بذلك الحب .

إذا أخبرك البعض أن سبب عدم حبهم لك هو أنك لا تفعل شيئاً ما من أجلهم مثل : الانصياع لهم ، أو تلبية مطالبهم ، فإن الحقيقة المؤلمة التي تنتظرك هي أنهم لن يحبوك حتى وإن نفذت أوامرهم ، أو لبيت مطالبهم .

إن مثل هذا الحب مشروط

قصه بجد ولا أروع
أحسنت فكرا وإختيارا للألفاظ

تحياااااااااااتي

Phoenix said...

ماشاء الله اسلوب كتابه ولا اروع

وبجد قصه واقعيه و موجوده كتير فى هذا الزمن

ودائما بتكون النهاية واحده

قلب مجروح وضياع حب صادق

تحياتى(:

منى said...

بالفعل تاخر القرار كثيرا لا ادرى كيف استمرت علاقتهم تلك المده وهم على هذا الاختلاف
فلا حب ولا صداقه
هل الانبهار يستطيع نسج قصه تستغرق اعوام؟؟؟؟
رغم تعجبى لكنك اخى نجحت فى جعلى اتفاعل مع القصه بشده لدرجه الحنق على بطليها
تحياتى وتقديرى

Omar El-Tahan said...

سلوى:

قد يبقى بقلبه ذكرى ألم .. تخبو مع الأيام

ولكن من المؤكد

أنه سيبقى بقلبها بذره ندم .. تنمو مع الأيام

كلمات من ذهب ... و لكني لا أعتقد أنها ستشعر بندم ... الإنسان أحادي التفكير و التوجه يصعب عليه استيعاب من يجده مخالف له و على الدوام ... ربما حزنت على ضياع شيء اعتقدته ملكها للأبد .. و لكنه حزن مؤكد و مصيره للزوال بأسرع من البرق.

اقتباسك لجزئية هائلة وعميقة المعاني بالفعل ... و لكن هناك من ينتظر الفعل ليشعر فقط بأن من أمامه يهتم لوجوده و لا يعامله كشء مضمون بجانبه للأبد.

Omar El-Tahan said...

NoRaaMaHdy :

شرفتيني بالزيارة و أرجو ألا تكون زيارتك الأخيرة ... مدونتك رائعة و تفيض بالرقة

أشكرك على تعليقك

Omar El-Tahan said...

منى:

أعتقد أن علاقتهم كانت أشبه بالإمتلاك و ضمان وجود الطرف الآخر خاصة من طرفها

و السلبية كانت هي المسيطرة على موقفه مما اتاح لها فرصة التمادي

أشكرك على آخر جملة ... فهي تعني لي الكثير

Anonymous said...

ماشاء الله
اسلوبك جمييييل جدا ومثير فكريا ويثير الخيال حقيقي عشت مع كل كلماتك والاحداث كانني اعيشها بالفعل لا اقرأها
تعبيراتك واضحة وفعالة وسردك موجه الي حيث يصيب الهدف
في الواقع قرأت الموضوع السابق وردك علي التاج الموجه اليك
ومنه علمت ان مثلك لابد وان يكتب بهذه الطريقة الواقعية المؤثرة وببوجهة النظر تلك تحديدا
اخي العزيز من يملك قلب ومبدا وفكر في حياتنا لابد وان يواجه اصعب المواقف ولن يجد الكثير ممن يفهمونه
لهذا كانت قصتك من الروعة بحيث تبدي وجهة نظرك في الحياة ووجهة نظر الاخرين المخالفة لمبادئك
للاسف احداث قصتك واقع يعيشه كل صاحب قلب حقيقي
تحياتي لك اخي

Jana said...

لن ألومه كما فعل هو بنفسه حين عاد لمؤازرتها
فقد أحبها ...وهكذا يفعل المحبون
فقط كان الامر يحتاج الى هذه القشة لينقسم ظهر البعير

كما انى أحب ان أبحث عن الحكمة وراء كل شىء
اذا لم يعد لها وقتها لما أخذ قراره الاخير بكل ثقة وارتياح وما كان ليزيل ارقامها فى الهواء ويلقى بآخر ذكرياتها فى الماء
وما كان ليتنفس بعدها الصعداء

فهنيئا له قلبه الجديد ..الحر
الى ان يُستعمر مرة أخرى من قبل زهرة حقيقية ..لا نبتة شائكة

تحياتى يا عمر

Omar El-Tahan said...

ولاء:
كلامك وسام على صدري و أفتخر بكلماتك جداً ولي الشرف أن علقتي في مدونتي

Omar El-Tahan said...

jana:

شكراً على تعليقك الممتع و بالفعل ... لاشيء يأتي عبثاً ...

سنووايت said...

اسمح لي أن اهنئك علي اسلوبك المتفرد في هذه القصة
أجدت استخدام الألفاظ والتعبيرات ببراعة أهنئك عليها
حقا رائعة

Omar El-Tahan said...

سنووايت:

أشكرك على المرور ... حقيقة لم أكن أتوقع النجاح لهذه القصة .. و لكن الحمد لله كان الواقع أفضل مما تخيلته ... نورتيني

Anonymous said...

لا أخفى عليك يا صديقى لم اشعر أن تلك الكلمات خرجت الى النور بهدا الاحساس المرهف و تلك المشاعر الصادقة مع النفس الا من جراء كبت طويل لها ..اسلوبك فى سرد احداث قصتك الراءعة لم اجد فية قلم القصاص بقدر ما وجدت فية قلب المتألم داتة ..تلك القلب يحكى و يروى وكأنةيريد ان يتخلص من تفاعل "نيترو جلسريني" طالما كان يحدث داخلة و انك ادركت اخيرا أنة ان لهدا القلب ان يستريح..اختلف معك فى اتهام بطل قصتك بالسلبيةفهو فى حالة حب جارف يمدة بالصبر و الامل فى تغير الاخر كالمريض الصابر على مرضة املة فى الشفاء يمحو كل ما يعانية من ألم...أعجبتنى كلمة الحبل السري بشدة ..فقلما يصل الاحساس باحد ان يشعر انة تقاسم مع شريكة رحم واحد..هدا يدل على رقة مشاعرك..اخيرا ان المساحة بين البطل و البطلة كانت شاسعة مند البداية لتجعل نهاية قصتك موضوعية ..و تدكر يا صديقى ان الحب ماهو الا تقارب حتى يكون أكثر مكان رحابة فى العالم هى المساحة بين يدى حبيبك..و أن تكون أطول مسافة فى الكون هى الخطوة الاولى لك بعيدا عنة.

Omar El-Tahan said...

the Sister:

واقع الحياة الآن انتصر في كثير من الأحيان للبعد و الفراق و لأسباب مختلفة .... قد يكون أهونها ما تناولته هذه القصة .... بالفعل فكرة القصة من الواقع و قد عايشت الخطوط العريضة بنفسي و قد تكون القصة إطار جميل تم تهذيب مرارة الشعور الحقيقي من خلاله .. شكراً على المرور و التعقيب

Anonymous said...

حقيقى مش عارفة اقولك اية
...بس اللى ممكن اقولو ممتاز جدا ....اتمنى انك تستمر على نفس المستوى و احسن ...بس ممكن اقول للبطل انة اقوى لانة قدر يمسح ارقامها ... يمكن هى مقدرتش ...و يمكن تحن فى يوم للسؤال عنة و الغريب انها ممكن تكون فرحانة لانة بجد تحرر منها ..و الاكيد ان البطل دة مش انسان يتنسى .... و لييية نقول ان حبها كان حب تملك بس ....يمكن هى كانت شايفة حاجات تانية تمنعها من انها تبتدى قصة مش لها نهاية ...ليية مش تحاول تعرفنا احساسها هى او وجهة نظرها؟
I'll wait ur comment

Omar El-Tahan said...

mana:

من سخرية القدر إن دايماً القصص و الروايات ليها وش واحد بنشوفه منها ووجهة نظر محددة هيا الخاصة بالكاتب .... و صعب نلاقي وجهتين نظر ... دايماً الكاتب بيتبنى وجهة نظر و يعرضها ... بس من حسن الحظ ان المجال في مدونتي مفتوح دايماً لعرض وجهة نظرالقراء ... يمكن لو انتي شايفة حاجة تانية تكمل إطار القصة أو تعرضها بصورة جديدة تشركينا فيها

شرفتي المدونة و أشكرك على كلماتك المشجعة

Anonymous said...
This comment has been removed by the author.
Anonymous said...

اللى انا شايفاه ان فى حاجة ناقصة يمكن لانى شوفت نفس القصة فى الواقع عندى احساس ان فى حاجة ضايعة...الاهم يا عمر ان فى حاجة جواك انت ظالمها و انا نفسى انك تخرجها "اكتر انسان ضحكنى انت" انا نفسى انك تكتب قصة مميزة خفيفة مضحكة و اخيرا
فى ناس لما تضغط عليها قوى بتخرج اجمل ما فيها من ابداع

ارجوك خرج اللى جواك نفسى اشوف اسمك فى مكان تانى مع هنا

زينب علي حبيب said...

قصة رائعة اخي

ورايي من راي جنة :)