ثم مع الوقت بدأ الإنبهار يخبو بينما لازالت الموسوعة لديها الكثير لتعطيه و الزهرة بدأ أريجها يفوح و تعطر الدنيا حولها و كما هي العادة بدأت في التقاط بعض النقاط من الموسوعة لتتعلم بها قواعد جديدة في الحياة للتعامل مع الناس و كان هو أول نموذج للتطبيق وبالطبع لم يكن التطبيق لصالحهما سويا، بل كان لمصلحتها هي فقط حيث كان يتحول من مصدر للمعلومة إلى نموذج مضمون للتطبيق.
و مع طول معرفتها به استطاعت أن تضع يديها على نقاط ضعفه تجاهها و تستغلها، وعلى الرغم من إدراكه لما تفعله هي إلا أن رد فعله كان سلبيا و اكتفى بمحاولاته الفاشلة لإيضاح الحقائق لها و محاولة تنبيهها أن العلاقة بين أي طرفين لابد لها من موافقة الطرفين على أي خطوات أو تصرفات تحدث من أحدهما حتى تستمر و تنمو بدلا من الذبول المتوقع نتيجة الفردية في اتخاذ القرارات والأنانية في تطبيقها حتى لو آذت الطرف الآخر.
بينما كان الوضع بالنسبة لها أنها تتحمل إنسان غريب عما حوله و حساس بدرجة لا تتفق مع الصورة التي تحب هي أن يكون عليها وله ميول تشاؤمية و مصر على أن يكون أي تصرف ملائم للطرفين معا بينما هي ترى أن كل طرف يفعل ما يريده و لا داعي للبحث عن مراعاة الطرف الآخر حيث لا يوجد رابط يجبرهما على ذلك.
و من هنا استمر الصدع بينهما يتزايد و كل منهما يحاول جذب الآخر نحو منطقته ولم يستطيعا الوصول لمنطقة وسطى بينهما تحقق توازن المعادلة، و مع استمرار الصدع في التزايد بدات الرغبة في الإستقلال تتولد بل وبدأت فترات البعاد تتزايد و الفتور أصبح هو سيد الموقف. أصبح من المعتاد أن يختلفا حول أمر أو تحدث مشادة بينهما لتبدأ فترة جفاء و انقطاع تام عن التواصل لأسابيع و أحيانا لشهور، حتى أتى عليه وقت قرر فيه أن حان وقت قطع الحبل السري و ليجرب كل منهما الحياة بعيدا و بحرية، فعندما حدثت بينهما مشادة جديدة لم يحاول أن يصالحها أو يعيد الأمور إلى نصابها، و هي لم تحاول الإتصال بعناد أصبح سمة أساسية بينها و بينه لدرجة أنه عندما كانت يتعجب من عنادها معه على كل شئ كانت تخبره أن هذا يحدث معه هو فقط.
مرت شهور طويلة كان طيفها يراوده أحيانا فيها يذكره بأيام خلت و ذكريات بينهما و هو لا ينفك يطرد هذا الطيف من خياله و في نفس الوقت يعجز عن إزالة أرقامها و بياناتها من هاتفه، مع مرور الوقت بدأت نفسه تهدأ و يرى أن القدر اختار الأفضل له و رضى بهذه النهاية و قنع بها.
وبينما كان في رحلة استجمام مع أصدقاؤه إذ فوجئ بإسمها على شاشة هاتفه و نغمتها الخاصة تتسلل لأذنه فاتحة في طريقها كل صناديق الذكريات و مهيجة كل ما وأده بداخله من فترة طويلة، تجاهل الإتصال و إن أرسل لها رسالة يعتذر عن عدم الرد لأنه لن يستطيع الكلام في الوقت الحالي، و لم يدر لم فعل هذا بينما كان قد بدأت نفسه ترضى بالوضع الجديد. بعد عودته من رحلته كررت اتصالها به وأجابها و هو موقن بأنه أخطأ في حق نفسه بالرد ليفاجأ بانهيارها في الهاتف و طلبها منه ألا يتخلى عنها فيما تمر به من محنة قاسية لم تخبر بها أحد غيره لأنها تشعر أنه رجلها و أنها تحتاجه بجوارها ليساندها و يشد أزرها.
ما أثار جنونه أنه اكتشف من كلماتها أن محنتها هذه تسببت فيها لنفسها بتكبرها و عنادها معه و محاولاتها الإستقلال عنه و إخفائها عنه ما تمر به، وعلى الرغم من أنه كان يشعر بهذا و استمر يسألها طوال عامين كاملين عن سؤال محدد هو مفتاح هذه الأزمة إلا أنها أبت إلا العناد، وعلى الرغم من هذا لم يتخل عنها و أبى إلا أن يساعدها حتى انتهاء أزمتها مع اشتراط أن ينتهي كل شئ بينهما بانتهاء مشكلتها، وافقته باكية مع أنها بيتت النية ألا يكتب هو سطور النهاية فقد استطاعت مع الوقت أن تضغط من جديد على نقاط ضعفه تجاهها مما نتج عنه الرجوع للمرحلة التي كان فيها هو الخاسر الوحيد ، و مع تزايد خبرتها بالعمل و استفادتها و تعلمها لأساليب التعامل مع الآخرين لتحفظ حقوقها حتى لو جرحت من أمامها حتى لا يبادر هو بجرحها وجد نفسه من جديد ضحية ومثال تطبيقي لما تعلمته مع الآخرين.
ابتسم في حزن و هو يلوم نفسه على هذا الوضع الذي تسبب فيه لنفسه بتسامحه و سلبيته معها و قرر الإنسحاب بهدوء من حياتها بعد أن فوجئ بها مرة تخبره أنها تعاملة معاملة الأغراب لأنها أصبحت لا تعرفه بسبب طلبه منها أن يبدءا من جديد دون النظر للماضي، في هذه اللحظة أدرك أنهما كانا .. نيترو جلسرين، مكونان يشكل كل منهما على حدة مادة مفيدة و نافعة لما حولها و لكن اجتماعهما سويا يكون كارثي النتائج حيث لا ينتج عنه سوى انفجار، كانا متشابهين في بعض الصفات التي لا يجب التشابه فيها من طرفي العلاقة بينما كانا مختلفين أشد الإختلاف فيما يشكل العماد الأساسي لأي علاقة ناجحة مما تسبب في زيادة نسبة التنافر بينهما عن مساحة التقارب.
داعب أزرار هاتفه و هو يعطيه الأمر الذي تأخر كثيرا ... أمر الحرية ... و بينما كانت البيانات يتم حذفها من الهاتف كان هو يلقي بآخر ما يربط بينهما في النيل ليحمله التيار الهادئ بعيدا و هو يغوص في بطء مغرقا معه آخر قيد و ساطرا في الوقت ذاته على صفحة النيل كلمات النهاية.