هناك ظاهرة أراها تتكرر كثيراً لدرجة أنها أثارت انتباهي بشدة لتنافيها بصورة عامة مع السلوك الفردي والأناني للكثير من أفراد الشعب المصري في هذه الأيام.
هذه الظاهرة تتلخص في كيفية التعامل مع الرادار على الطرق المختلفة.
عملي يستلزم مني استعمال الطريق الدائري بصورة يومية للوصول للعمل ... وكثيراً ما أرى السيارات من الناحية المقابلة وعلى امتداد الطريق أراها " تقلب الإضاءة الأمامية " أي يقوم السائق بإيقاد المصابيح الأمامية وإطفائها بصورة متكررة وسريعة.... وذلك لتنبيه القادمين من الناحية المقابلة لوجود رادار أو لجنة شرطة على الطريق. وينطبق هذا التصرف أيضاً على الطرق السريعة .. وعادة يبدأ التحذير من مسافات طويلة تصل لعشرات الكيلومترات.
أتعجب حينها لأن السيارات بامتداد الطريق كله أجدها تطبق هذه الطريقة وخاصة وسائل المواصلات وسيارات النقل .... وهذا موقف يسهل علي استيعابه وتفهمه، لأن من الممكن أن ينبه السائق زميله حتى لا تطوله يد الحكومة. ولكن أن يكون هذا السلوك أيضا من قادة السيارات الخاصة فهذا ما أتعجب له لأنني اعتدت علي السلوك الفردي الأناني لنا كمصريين و الجملة الشهيرة " و أنا مالي " و تطبيق المصريين هذا السلوك حتى في منازلهم، فتجد البيت من الداخل " يبرق من النظافة " ولكن علي عتبة الباب الخارجية أو علي سلم العقار تجد أكوام من التراب و أحيانا أوراق وخلافه و الرد الجاهز " و أنا مالي " المهم بيتي أنا.
حاولت الوصول لحل لهذا التناقض فهداني تفكيري إلي أن الشعب في حالة التعامل مع الحكومة أو الشرطة بالذات عنده الاستعداد للإتحاد و نبذ الفردية في سبيل الكيد للحكومة، و هذا يؤكد أن العلاقة بين الحكومة و الشعب في أسوأ أحوالها لأن الشعب يتربص بأي شيء له علاقة بالحكومة حتى يفسده أو يعطله و يؤيد ذلك العديد من الظواهر كالتهرب من دفع التذاكر في وسائل المواصلات، و كراهية الشعب للشرطة بسبب الضغوط و الاستفزاز المتعمد من قبل هذه الجهات لكل من يقع تحت أيديهم. و علي سبيل المثال ركوب ضباط الشرطة لوسائل المواصلات و خاصة الميكروباص دون دفع أي أجرة، و يزيد علي ذلك ركوب ضباط الشرطة بجوار السائق مع عدم السماح بركوب راكب آخر بجانبه... مما يعني خسارة أجرة فردين و أيضا تربص الضباط و أمناء الشرطة بالسائقين سواء تاكسي أو مواصلات عادية "ميكروباص – ميني باص" لتحرير مخالفات لهم لتحقيق النسبة المطلوبة منهم شهريا من المخالفات و الأنكى هو قبول رشاوى للتغاضي عن تحرير المخالفات، و تتفاوت الرشاوى التي تبدأ من عشرة جنيهات لأمين الشرطة و تصل إلي كروت شحن مع بعض الضباط. وغير ذلك كثير مما يثير التساؤل حول تعامل الحكومة مع الشعب و الذي وصل إلي تبديل شعار الشرطة من " الشرطة في خدمة الشعب " إلي " الشرطة و الشعب في خدمة الوطن "، مما أثار موجة من التهكم في الأوساط الشعبية بتفسير الشعار بأن الشرطة تقوم بسحل الشعب في سبيل خدمة " رمز " الوطن.
هذا غير الضرائب المستفزة و من ضمنها تطبيق ضريبة للمبيعات علي الخدمات مما يتنافي مع القانون، و تطبيق الضرائب بكل حزم علي الموظفين و التغاضي عن محاسبة الكبار و الأثرياء. و غيرها كثير من مظاهر الكيل بمكيالين مما يعمق الشعور بغربة المواطن داخل وطنه، مما ينتج عنه شعور سلبي بوجه عام نحو الوطن دون تفريق بين الوطن أو البلد و بين الحكومة أو الحكام و تجد تساؤل يحمل نكهة الحسرة و فقدان الأمل : " هي كانت بلدنا يا عم؟؟ أهي بلدهم و يعملوا فيها اللي هما عايزينه... مش كده و لا إيه؟؟ "