Monday, January 2, 2023

اختلاف المفاهيم

 اختلاف المفاهيم -تقبل وجود الإختلاف و اعتبار تباين المنظور-

 
من طبيعة خلق الله للبشر انهم مختلفين في الخِلقَة و الخُلُق و الفِهم، و من طبيعة البشر أن يعتز الفرد برأيه و معتقده و نظرته للأمور و لهذا أسباب نفسية كثيرة ليس هنا محل طرحها.
 
لهذا كان المثل الشعبي دقيقًا حينما قال:
"لما ربنا وزع الأرزاق ما حدش عجبه رزقه، و لما وزع الأدمغة كل واحد عجبته دماغه"
 
من هنا نتفهم أن يعتز كل منا برؤيته و نظرته لما يحدث معه في حياته من تجارب و علاقات و لما يُعرَض عليه من أفكار و معتقدات.
و لذلك فالتباين في الأذواق و القبول لكل شيء نسبي و مُتفَهَم بداية من الدين و حتى الطعام و مرورًا بالثقافة و الفِكر و الأدب و الفنون.
 
و لذا كان المعنى اللغوي للفقه هو الفِهم و ذلك لأن فهم النصوص المقدسة نفسها يدخل فيه عوامل متعددة تؤثر على الرؤية و الحُكم، منها اللغة و اللهجة المحلية للغة و الظروف الإجتماعية و النفسية و الفكرية السائدة.
 
المشكلة الكبرى تكمن في توحد غالب البشر مع منظورهم الخاص للأمور و مفهومهم الخاص لما يُعرض عليهم أو يخرج منهم و منها الألفاظ و الكلمات.
 
فمنهم من يفهم كلمة كإهانة و منهم من يراها ذاتها توجيه أو رأي، و غالب الناس يقول او يكتب كلام بمفهومه هو و من واقع نظرته او خبرته او بما يدور بداخل عقله من أفكار و هو ما لا يطِّلع عليه أحد إلا الله، ثم يتعجب أن يجد أحيانًا من فهم كلامه على غير قصده سواء لعدم وضوح الكلام أو لاحتمال الكلام لأكثر من معنى أو حتى لمجرد اختلاف زاوية الرؤية للأمر.
 
و الأنكى هو قصر الرؤية أو المنظور على زاوية خاصة تُمثِّل الخلفية الثقافية/الإجتماعية/الفكرية/اللغوية للمتحدث و عدم تقبل أن يرى آخرون الكلام من زاوية مغايرة نتيجة اختلاف المفاهيم و المنطلقات، ناهيك عن من يرى الأمور بنظرة علوية "ليس المقصود استعلاء و إنما من أعلى" فيغطي زاوية رؤية أوسع و أشمل.
 
و هنا ليس من المنطقي أن نطالب بتوحيد الرؤى أو اعتناق الكل لمفاهيم مغايرة بمجرد معرفتها أو حتى مطلقًا، و إنما أن يتقبل الناس فكرة وجود مفهوم مغاير أو زاوية أخرى للرؤية أو منظور أوسع يشمل زوايا متعددة تُعطي في النهاية رؤية أكثر ثراء.
و تقبل وجود مفاهيم مختلفة لا يجب أن يكون في إطار "أنت حر مالم تضر" أو "كل واحد براحته" و إنما يجب أن يكون هناك استغلال لمنحة العقل الممنوح لنا للتفكير و النظر و احتواء الآراء المختلفة و التدبر فيها للوصول للصواب و ليس لمحاولة الوصول لما يوافق ما يراه المرء صواب.
 
النقاشات و الحوار لو لغرض تمضية الوقت و قضاء بعض الوقت في تبادل الآراء ثم يرحل كل طرف بما جاء به مما هو فوقتها هذا عبث و قتل للوقت و هدر طاقة فيما لا يُفيد.
و دخول حوار أو نقاش يكون الأساس فيه هو براعة الجدال و القدرة على قصف الجبهة و سماع المواجه بهدف تجهيز رد مُفحِم له عدمه أفضل لأن من حصافة و مروءة الفرد أن يكون الحق مبتغاه و لو جاء مغاير لما يراه أو يحبه أو يعتقده.
 
في النهاية:
أن يتعجب أحدهم أن يرى الآخرون غير ما يراه و لا يفهمون نفس فهمه و يرى أنه من الغريب أن يرى آخر غير ما يراه هو أو يفهم من كلامه غير ما يقصده هو أو غير ما يدور بعقله هو بسبب اختلاف المفاهيم، و مصادرة الصواب لصالح عقله وحده و ما يدور فيه لهو أكبر دليل على تغلغل الفردية و الأنوية و الغرور في فكر صاحبه مهما بلغ من علم أو ثقافة.

No comments: